أنا لا أهتم لضرب الزهراء
وهو لا
يرتبط بالعقيدة:
يقول البعض:
إن ضرب الزهراء، وإسقاط جنينها، وكسر ضلعها قضية
تاريخية وليست متصلة بالعقيدة.
ولهذا فهو لا يهتم لهذا الأمر شخصيا، فسواء كسر ضلع
الزهراء «عليها السلام» أم لم يكسر، فإن ذلك لا يقع في دائرة
اهتماماته، على حد تعبيره!!.
ونقول:
إننا نلاحظ ما يلي:
1 ـ
إذا كان ذلك لا يقع في دائرة إهتمامات هذا الشخص أو
ــــــــــــــــــــ
(1)
تاريخ الإسلام للذهبي ج2 / 284 ـ 286. تحقيق: حسام الدين القدسي، مطبعة
المدني، القاهرة.(*)
/ صفحة 132 /
ذاك، فلماذا هو يحشد الأدلة والشواهد من كل حدب وصوب
على نفي هذا الأمر، أو التشكيك فيه على الأقل، ولماذا إذا ثارت العاصفة
ضده يتراجع ويستعمل التقية، ـ كما قال ـ ويقول كلاما يلائم رأي الطرف
الذي يوجه إليه النقد، ثم يعود لإثارة هذا الأمر من جديد بكل عنف
وإصرار، ويواجه التحديات، ويثير المشكلات، بل هو يتهم الآخرين بأنواع
التهم لمجرد أنهم سألوه عن رأيه في هذا الأمر وعلة إبدائه علنا وبهذا
الشكل، وفي هذا الظرف، وفي هذا الزمن بالذات، فضلا عن أن يعترض عليه
فيه، فيقول: إنهم لا يفهمون، وبأن طريقتهم غوغائية، وبأنهم معقدون،
وينطلقون من غرائزهم و...
هذا فضلا عن اتهامه لهم بما يعتبر إهدارا لدمهم، وإغراء
للناس بالاعتداء على حياتهم، وذلك حين يجعلهم في دائرة العمالة
للمخابرات الإسرائيلية أو غيرها؟! فضلا عن جعلهم في دائرة الاتهام
المستمر، وخدش اعتبار شخصيتهم المعنوية بذلك.
2 ـ
لماذا لا يتهم لما جرى على الزهراء؟ ولماذا يكون كسر ضلعها أو إسقاط
جنينها سيان بالنسبة إليه.
وهل كل قضية مرت في التاريخ لا يصح أن نهتم لها؟! أو أن
اللازم أن لا تقع في دائرة اهتماماتنا؟!
فلماذا إذن اهتم الأئمة والنبي «صلى الله عليه وآله»
قبلهم بما يجري على الزهراء «عليها السلام»، وبما يجري على الإمام
الحسين «عليه السلام» وصحبه في كربلاء؟!
ولماذا يهتم هو نفسه بالتذكير بحدث جرى قبل سنوات يحتمل
أن يكون له نوع ارتباط به ويعتبره من الشؤون والقضايا الإسلامية
الكبرى، ثم لا يهتم بغيره من نظائره كمجزرة مكة، وإسقاط الأميركيين
للطائرة الإيرانية بركابها الثلاثمائة الأبرياء.
وكذلك لا يهتم بما ربما يعد أخطر قضية مفصلية في تاريخ
هذا الإسلام العزيز، وله ارتباط مباشر وعضوي في مساره العام على جميع
الصعد وفي مختلف المجالات ألا وهو ضرب الزهراء، أو كسر ظلعها.
3 ـ
إن الذين ارتكبوا ما ارتكبوه بحق الزهراء «عليها السلام» قد تصدوا
لأخطر مقام بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو مقام الإمامة
والخلافة، وقد قال الشهرستاني:
«وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة إذ ما سل سيف في
الإسلام على قاعدة دينية مثلما سل على الإمامة في كل زمان(1)».
ويقول الخضري: إن هذه المسألة
(2) كانت «سببا لأكثر الحوادث التي أصابت المسلمين، وأوجدت ما
سيرد عليكم من أنواع الشقاق، والحروب المتواصلة، التي قلما يخلو منها
زمن، سواء كان بين بيتين، أو بين شخصين(3)».
ــــــــــــــــــــ
(1)
الملل والنحل: ج1 ص24.
(2)
أي إن ترك مسألة الخلافة والاستخلاف من غير حل محدد ترضاه الأمة، وتدفع
عنه، كان هو السبب لأكثر الحوادث التي أشار إليها. وقد قلنا ـ تعليقا
على كلامه هذا: إذن، كيف جاز للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يترك
الأمة هكذا هملا، ثم لا يضع حلا لأعظم مشكلة تواجهها، وتسل عليها
السيوف، وتزهق لأجلها الأرواح. مع أن شريعته كاملة وشاملة. وقد بين
فيها كل ما تحتاجه الأمة، حتى أرش الخدش؟! إن الحقيقة هي أنه «صلى
الله عليه وآله» قد بين ذلك، وحدده. ولكن الآخرين لم يقبلوا منه ذلك،
وردوا أمر الله سبحانه، فإنا لله، وإنا إليه راجعون..
(3)
محاضرات في التاريخ الإسلامي: ج1 ص167. (*)
/ صفحة 134 /
ومن الواضح:
أن معرفة هؤلاء الذين أبعدوا أهل البيت عن مقاماتهم، وأزالوهم عن
مراتبهم التي رتبهم الله فيها وظهور أمرهم ووضوح مدى جرأتهم على الله
سبحانه، وعلى رسوله أمر ضروري ومطلوب لكل مسلم، لأن ذلك يمس أخطر قضية
في تاريخ الإسلام.
وبعبارة أوضح:
إن لوازم الحدث هي التي ترتبط بالعقيدة، وإن لم يكن ذات الحدث يرتبط
بها، فمثلا حينما نقرأ في القرآن عن زوجة لوط «عليه السلام»: أنها قد
وشت بضيوف زوجها لقومها، الذين يسعون إلى ارتكاب الفاحشة مع الرجال.
قد نتعجب، ونقول:
هل يليق بالقرآن أن يؤرخ لقوم لوط في خصوص هذه الخصلة
السيئة والدنيئة؟!.
وهل يمكن لأحد أن يقول:
إنني لا أهتم شخصيا بهذا الأمر التافه المذكور في القرآن؟!
أم أننا نفهم القضية بطريقة أخرى، فنقول: لو كان الله
سبحانه يريد أن «يؤرخ» لقوم لوط، لكان أرخ لسائر الشعوب كالفينيقيين
والكلدان والآشوريين، والرومان، والساسانيين، وغيرهم، ولكنا رأيناه
يتحدث عن كثير من سياساتهم وشؤونهم وما مر بهم من أحداث كبيرة وخطيرة.
ولكن ذلك لم يكن، فاقتصاره على خصوص هذا الأمر بالنسبة لخصوص قوم لوط
يدلنا على أنه سبحانه وتعالى قد أراد لنا أن نستفيد من لوازم الحدث
أمورا قد يكون لها مساس بالعقيدة، أو بالشريعة، أو بالمفاهيم الأخلاقية
والحياتية في أكثر من مجال؟!
إننا لا شك سوف نتجه هذا الاتجاه الثاني، ونبحث عن كل
تلك اللوازم، والحيثيات والمعاني التي أراد لنا القرآن أن نعيشها، وأن
نلتفت إليها في ما حكاه لنا عن امرأة لوط وقومها، لنستفيد منها المزيد
من المعرفة والوعي، والمزيد من الإيمان، والمزيد من الطهر والصفاء.
ونجد في هذه القضية أكثر من معنى حياتي هام جدا. لا بد
لنا من الإطلاع عليه، وتثقيف أنفسنا به، ويكفي أن نشير إلى ما تحمله
هذه القصة ـ بعد الإلفات إلى بشاعة فعلهم ذاك ـ من تحد قوي، من قتل
المرأة، والزوجة، التي لم تكن تملك قدرات علمية، وفكرية بمستوى، تتحدى
رجلا، نبيا، يملك كل القدرات والطاقات، وخصوصا قدرة التحدي في مجال
الاقناع، وفي أمر يملك الدافع لمقاومته من خلال الدين، والعقيدة
والقداسة والأخلاق، والعنفوان الإنساني، حيث كان التحدي له في ضيوفه
«عليه السلام»، وفيما يمس الشرف، والكرامة والدين، والأخلاق،
والرسالة...
|