كتاب سليم معتمد:
إن ما ذكره هذا البعض لا يمكن قبوله، وذلك لما يلي:
أولا:
إن مجرد التشكيك في كتاب لا يكفي لتبرير رفض ما فيه، ما لم يصرح
بمبررات تشكيكه، ويقدم الشواهد والدلائل الموجبة للتشكيك في نسبة
الكتاب، أو تثبت وجود تخليط أو دس فيه، أو تدل على أنه كتاب موضوع، أو
غير ذلك، ومن دون ذلك، فلا يلتفت إلى دعوى الشك هذه، وذلك بديهي وواضح
لكل أحد.
ثانيا:
إننا إذا رجعنا إلى كتاب سليم بن قيس، فلا نجد فيه إلا ما هو سليم
وموافق للمذهب، وليس فيه ما يحتمل أن يكون غلوا في شأن الأئمة حتى على
زعم من يرى ذكر بعض هذه المعجزات غلوا ومع هذا فإنك ترى في الكافي
وغيره من كتب الشيعة أضعاف ما ورد في كتاب سليم ولا طريق لنا إلى رده.
وقد روي عن الإمام الباقر «عليه السلام»، وهو يتحدث عن
أصحابه، أنه قال:
«إن أسوأهم عندي حالا، وأمقتهم إلي الذي إذا سمع الحديث
ينسب إلينا، ويروى عنا فلم يعقله، ولم يقبله قلبه اشمأز منه، وجحده،
وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند،
فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا»(1).
وقال «عليه السلام»:
«لا تكذبوا بحديث أتاكم أحد، فإنكم لا تدرون لعله من
الحق، فتكذبوا الله فوق عرشه» (2).
ثالثا:
إن كلمات العلماء عن كتاب سليم تدل على أنه من الأصول المتقنة التي هي
في غاية الاعتبار.
وفيما يلي شطر من أقوالهم هذه:
قال النعماني في كتاب الغيبة
(3) بعدما أورد من كتاب سليم أخبارا كثيرة، ما هذا لفظه: «كتابه
أصل من الأصول (4) التي رواها أهل
العلم، وحملة حديث أهل البيت «عليهم السلام» وأقدمها، لأن جميع ما
اشتمل عليه هذا الكتاب (5) إنما هو عن
رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأمير المؤمنين «عليه السلام»،
والمقداد، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، ومن جرى مجراهم ممن شهد رسول الله،
وأمير المؤمنين «عليهما السلام»، وسمع منهما.
ــــــــــــــــــــ
(1)
البحار: ج2 ص186، حديث 12 والكافي: ج2 ص223 حديث 7.
(2)
البحار: ج2 ص186. وراجع: ص187 و 188. وراجع: المحاسن: ص230 / 231.
(3)
راجع: غيبة النعماني: ص101 و 102 ـ باختلاف يسير ـ تحت عنوان: ما روي
في أن الأئمة اثنا عشر إماما وراجع أيضاً، الذريعة: ج2 ص152.
(4)
في الأصل: من أكبر كتب الأصول.
(5)
في المصدر: هذا الأصل. (*)
/ صفحة 144 /
وهو من الأصول التي ترجع الشيعة إليها، وتعول عليها.
إنتهى»(1).
أما العلامة المتبحر الشيخ الطهراني فهو يقول: «روي عن
أبي عبد الله الصادق «عليه السلام» أنه قال: من لم يكن عنده من شيعتنا
ومحبينا كتاب سليم بن قيس الهلالي فليس عنده من أمرنا شيء، ولا يعلم من
أسبابنا شيئاً، وهو أبجد الشيعة، ومن سر من أسرار آل محمد «صلى الله
عليه وآله»...» (2).
وقال: «عن مختصر البصائر: أنه قرأ أبان بن أبي عياش
كتاب سليم على سيدنا علي بن الحسين «عليه السلام»، بحضور جماعة من
أعيان أصحابه، منهم أبو الطفيل، فأقره عليه زين العابدين «عليه
السلام»، وقال: هذه أحاديثنا صحيحة (3)».
وذكر الكشي عرض الحديث المذكور آنفاً على الباقر «عليه
السلام» ـ بعد أبيه السجاد ـ وأنه اغرورقت عيناه، وقال: «صدق سليم، وقد
أتى أبي بعد قتل جدي الحسين، وأنا قاعد عنده فحدثه بهذا الحديث بعينه،
فقال أبي: صدق. وقد حدثني أبي وعمي الحسن بهذا الحديث عن أمير المؤمنين
«عليه السلام»..».
وقد أشار إلى هذا الكتاب أيضاً أحمد بن حنبل في
ــــــــــــــــــــ
(1)
البحار: ج30، ص133 و 135.
(2)
الذريعة: ج2، ص152.
(3)
الذريعة: ج2، ص153.
(4)
الذريعة: ج2 ص153 ط مؤسسة اسماعيليان. وراجع: اختيار معرفة الرجال:
ص104 و 105. الحديث رقم 167. (*)
/ صفحة 145 /
مسنده(1).
وقال عنه ابن النديم: هو أول كتاب ظهر للشيعة
(2) ومراده: أنه أول كتاب ظهر فيه أمر
الشيعة (3).
وقال بدر الدين السبكي: «أول كتاب صنف للشيعة هو كتاب
سليم» (4).
ونقل عن كتاب سليم كثير من قدماء الأصحاب، مثل: ثقة
الإسلام في الكافي، ورئيس المحدثين الشيخ الصدوق في الخصال، وفرات في
تفسيره، ومن لا يحضره الفقيه، وعيون المعجزات، والاحتجاج، وإثبات
الرجعة، والإختصاص، وبصائر الدرجات، وتفسير ابن ماهيار، والدر النظيم
في مناقب الأئمة اللهاميم.
فقد رووا عنه بأسانيد متعددة تنتهي أكثرها إلى أبان بن
عياش، الذي أعطاه سليم كتابه مناولة، ويرويه أيضاً عن سليم بغير مناولة
(5).
وقد اعتبره النجاشي في جملة القلائل المتقدمين في
التصنيف من سلفنا الصالح (6)، وأشار
إليه شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رحمه الله (7)
وابن شهرآشوب المازندراني(8).
ــــــــــــــــــــ
(1)
مسند أحمد: ج2 ص332.
(2)
الفهرست: ص275. والذريعة: ج2 ص153.
(3)
الذريعة: ج2، ص153.
(4)
المصدر السابق، عن محاسن الوسائل في معرفة الأوائل.
(5)
راجع: الذريعة: ج2 ص154 و 155.
(6)
رجال النجاشي: ص6.
(7)
الفهرست: ص162.
(8)
معالم العلماء: ص58. (*)
/ صفحة 146 /
أما المسعودي فقال: «والقطعية بالإمامة، الاثنا عشرية
منهم، الذي أصلهم في حصر العدد ما ذكره سليم بن قيس الهلالي في كتابه(1)».
وقال العلامة السيد ابن طاووس: «تضمن الكتاب ما يشهد
بشكره وصحة كتابه(2)».
وقال المولى محمد تقي المجلسي: «إن الشيخين الأعظمين
حكما بصحة كتابه، مع أن متن كتابه دال على صحته(3)».
وقال: «كفى باعتماد الصدوقين: الكليني والصدوق: ابن
بابويه عليه.. وهذا الأصل عندي، ومتنه دليل صحته(4)».
وقد اعتبره المحدث المتبحر الشيخ الحر من الكتب
المعتمدة التي شهد بصحتها مؤلفوها وغيرهم، وقامت القرائن على ثبوتها،
وتواترت عن مؤلفيها، أو علمت صحة نسبتها إليهم(5).
وراجع ما نقله الفاضل المعاصر الشيخ محمد باقر الأنصاري
الزنجاني الخوئيني في مقدمة كتاب سليم بن قيس: ج1 ص109 ـ 113 عن
العلامة السيد مصطفى التفريشي، والعلامة السيد هاشم البحراني والمدقق
الشيرواني، والفاضل المتبحر مير حامد حسين صاحب كتاب عبقات الأنوار،
وغيرهم.
ــــــــــــــــــــ
(1)
التنبيه والإشراف: ص198.
(2)
التحرير الطاووسي: ص136.
(3)
روضة المتقين: ج14 ص372.
(4)
تنقيح المقال: ج2 ص53.
(5)
راجع: وسائل الشيعة: ج20 ص36 و 42. (*)
/ صفحة 147 /
كما أن العلامة السيد محسّن الأمين رحمه الله قد اعتمده
ونقل عنه في كتاب المجالس السنية الذي يقول في آخره: «.. وأخذه من
المصادر الموثوقة والمصنفات المشهورة»(1)
وهو إنما كتب كتابه هذا «المجالس السنية» ليكون عملا إصلاحيا، يبعد فيه
عن سيرتهم «عليهم السلام» عما يعتقد فيه أنه مدسوس أو مكذوب
(2).
|