الإجماع على المظلومية:
هناك من يقول:
بأن ثمة إجماعا على أن الزهراء «عليها السلام» قد ظلمت، وضربت، بل
وأسقط جنينها، لكن البعض حاول التشكيك في إجماع كهذا، ولم يقنعه ما جاء
في تلخيص الشافي، من نص شيخ الطائفة الشيخ الطوسي على أنه لا خلاف بين
الشيعة، في أن فاطمة «عليها السلام» قد تعرضت للضرب، وإسقاط الجنين.
ولم يقنعه أيضاً، رواية ذلك بكثرة ظاهرة في مصنفاتهم
شيعة أهل البيت «عليهم السلام»، ولا ورود ذلك أيضاً بصورة مستفيضة من
طرق غيرهم.
بل إن روايات الشيعة عن المعصومين، فضلا عن غيرهم، حول
مظلوميتها «عليها السلام» من الكثرة والتنوع بحيث يمكن القول بتواترها.
ونحن نذكر هنا كلام الشيخ الطوسي، والعلامة كاشف الغطاء
حول هذا الأمر، ثم نعقب ذلك بمناقشة ما قاله هذا البعض حول ذلك.
فنقول:
1 ـ
قال شيخ الطائفة الإمام الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460
ه. وهو تلميذ الشيخ المفيد، والشريف المرتضى:
/ صفحة 164 /
«ومما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة «عليها السلام». وقد روي
أنهم ضربوها بالسياط.
والمشهور الذي لا خلاف فيه بين الشيعة: أن عمر ضرب على
بطنها حتى أسقطت، فسمي السقط «محسّنا»، والرواية بذلك مشهورة عندهم.
وما أرادوا من إحراق البيت عليها، حين التجأ إليها قوم، وامتنعوا من
بيعته.
وليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بينا الرواية
الواردة من جهة العامة، من طريق البلاذري، وغيره. ورواية الشيعة
مستفيضة به، لا يختلفون في ذلك(1)».
2 ـ
وقال العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: «طفحت واستفاضت كتب الشيعة،
من صدر الإسلام، والقرن الأول، مثل كتاب سليم بن قيس، ومن بعده إلى
القرن الحادي عشر وما بعده، بل وإلى يومنا هذا، كل كتب الشيعة التي
عنيت بأحوال الأئمة، وأبيهم الآية الكبرى، وأمهم الصديقة الزهراء صلوات
الله عليهم أجمعين، وكل من ترجم لهم، وألف كتابا فيهم، وأطبقت كلمتهم
تقريبا، أو تحقيقا في ذكر مصائب تلك البضعة الطاهرة: أنها بعد رحلة
أبيها المصطفى ضرب الظالمون وجهها، ولطموا خدها، حتى احمرت عينها،
وتناثر قرطها، وعصرت بالباب حتى كسر ضلعها، وأسقطت جنينها، وماتت وفي
عضدها كالدملج.
ثم أخذ شعراء أهل البيت سلام الله عليهم، هذه القضايا
والرزايا، ونظموها في أشعارهم، ومراثيهم، وأرسلوها إرسال
ــــــــــــــــــــ
(1)
تلخيص الشافي: ج3 ص156. (*)
/ صفحة 165 /
المسلمات: من الكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي،
والنميري، والسلامي، وديك الجن، ومن بعدهم، ومن قبلهم الى هذا العصر
الخ...(1)».
3 ـ
يقول المقدسي: «وولد محسّنا، وهو الذي تزعم الشيعة: أنها أسقطته من
ضربة عمر(2)».
4 ـ
وقد نسب المعتزلي الشافعي ضربها «عليها السلام» وإسقاط المحسّن إلى
الشيعة، وأن الشيعة تنفرد به (3).
5 ـ
ويقول العلامة المظفر: يكفي في ثبوت قصد الإحراق رواية جملة من علمائهم
له، بل رواية الواحد منهم له، لا سيما مع تواتره عند الشيعة
(4).
فالمقدسي والمعتزلي الشافعي إذن ينسبان رواية المظلومية
والقول بها إلى طائفة الشيعة، لا إلى جمهورها، أو إلى المشهور في هذه
الطائفة، وذلك يشير إلى هذا الإجماع الذي أشار إليه الطوسي وكاشف
الغطاء رحمهما الله تعالى.
وبعد ما تقدم نقول:
لقد حاول البعض التشكيك الإجماع المذكور، وذلك استنادا
إلى أمور ثلاثة.
الأول:
إن الشيخ المفيد لا يلتزم به، بل هو يذكر ما ينقض هذا الإجماع.
ــــــــــــــــــــ
(1)
جنة المأوى: ص78 ـ 81.
(2)
البدء والتاريخ: ج5 ص20.
(3)
شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج2 ص60.
(4)
دلائل الصدق: ج3 قسم 1. (*)
/ صفحة 166 /
الثاني:
إن الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، لم يلتزم بمفاده.
الثالث:
إن السيد شرف الدين كذلك لم يلتزم بمفاده.
وفي الصفحات التالية في هذا الفصل وما يأتي بعده نذكر
كلامهم، ونناقشه مع توخي الاختصار والاقتصار على المهم فنقول:
|