الاستناد إلى أقوال العلماء

   

صفحة :   

الاستناد إلى أقوال العلماء:

قلنا: إن البعض يستشهد لتأييد تشكيكاته فيما جرى على الزهراء «عليها السلام»، من بلايا ومصائب بأقوال ينسبها إلى بعض كبار العلماء، كالمفيد، وكاشف الغطاء، وشرف الدين.

وقبل إن ندخل في مناقشة صحة ما ينسب إليهم، نود التذكير بأمر هام يرتبط بالاستشهاد بأقوال العلماء بصورة عامة.

فنقول:

إن البعض قد يعتذر عن مخالفاته الكثيرة في أمور الدين لما عليه عامة جهابذة العلم وأساطينه، بأن فلانا العالم يقول بهذا القول، وأن فلانا العالم الآخر يقول بذلك القول.. وهكذا..

وقد لا يقتصر في اعتذاره هذا على أمور الفقه بل يتعداها إلى


/ صفحة 161 /

العقائد، والتاريخ: والتفسير، وغير ذلك، وقد يحتاج أحيانا، قبل أن يجهر ببعض قناعاته إلى أن يمهد لها بما يبعدها عن الإستهجان والاستغراب بأنواع التمهيدات، فيسرب رأيه أولا عن طريق بعض المقربين له، ثم يعلن في مناسبات متوالية أنه لا يزال يدرس الموضوع، ويلمح في الوقت نفسه إلى فرص انتاج الرأي المطلوب بطريقة أو بأخرى. وحين لا يجد أحدا من الفقهاء يوافقه على ما يقول، فأنه يلجأ إلى اعتبار الاحتياط الوجوبي بنقيض قوله إشارة بل اتجاها نحو موافقته بالفتوى في المستقبل. فالقول بأن الأحوط هو حرمة حلق اللحية مثلا، يعتبره خطوة على طريق القول بالحلية، ويصلح للاستشهاد به لها.

ثم إنك قد تجده يقول: أنا فلانا العالم والفقيه المعروف لدى عامة الناس، هو أول من قال بكذا، فإذا راجعت الكتب والموسوعات الفقهية، تجد أن الأمر ليس كذلك، بل قد سبق هذا الفقيه إلى هذا القول كثيرون آخرون.

فقد يقال لك مثلا في العديد من المرات والمناسبات أن المرجع الديني الكبير السيد محسّن الحكيم رحمه الله هو أول من أفتى بطهارة الكتابي، مخالفا بذلك الإجماع، والقصد من هذا القول هو تبرير مخالفات الإجماع التي تصدر من قبل من يهمه أمثال هذه التبريرات، مع أن ابن أبي عقيل، وابن الجنيد، والشيخ المفيد في أحد قوليه، وربما نسب إلى الشيخ الطوسي أيضاً القول بذلك ـ وجميع هؤلاء من كبار قدماء فقهاء الإمامية ـ، وقد أفتوا بطهارة الكتابي قبل السيد الحكيم رحمه الله.

ومثال آخر نذكره هنا، وهو أن البعض حين يسأل عن السبب


/ صفحة 162 /

في تحليله اللعب بآلات القمار نجده يبادر إلى الاستشهاد بالسيد الإمام الخميني (ره) على أنه قد خالف الإجماع حين حلل اللعب بالشطرنج وهو من آلات القمار..

مع أن السيد الإمام لم يحلل الشطرنج الذي هو من آلات القمار، بل قال رحمه الله: «إن الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار، جاز اللعب به». وهذه قضية تعليقية شرطية، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

على أن من الواضحات كون الافتاء بالجواز معلقا على شرط، لا يعني المخالفة لمن أفتى بالحرمة بدون ذلك الشرط.

وحين تجتمع لدى البعض نوادر من الفتاوى، على نحو ملفت للنظر، نجده يبرر ذلك بأن فلانا العالم قد قال بهذه الفتوى، وقال فلان العالم الآخر بتلك، وهكذا.

ولكننا لا ندري لماذا يكون الحق في ذلك كله مع هؤلاء في خصوص المسائل التي شذوا فيها مما وافقهم عليه، ولكنهم يخطئون في فتاواهم والمشهور يخطئ معهم، في غير ذلك من فتاوى تخالفه، فضلا عن خطأهم فيما شذوا فيه عن المشهور، ولم يوافقهم هذا البعض أيضاً عليه؟!

على أن اجتماع فتاوى شاذة كثيرة لدى شخص واحد، قد يؤدي إليه أن يصبح هذا الشخص خارج دائرة المذهب الفقهي الذي ينتمون إليه..

وإن كان لا يخلو فقيه من الموافقة في بعض فتاواه لبعض الفتاوى الشاذة اليسيرة جدا، والتي لا تضر، ولا تخرجه عن النهج العام للمذهب الذي ينتمي إليه.


/ صفحة 163 /

وبعد هذه المقدمة، ندخل إلى الموضوع الذي هو محط نظرنا، فنقول:

 
   
 
 

موقع الميزان