جرأة الجاحظ

   

صفحة :   

جرأة الجاحظ:

وما أبعد ما بين هذا الرجل الذي يختار خصوص الحديث الذي ظهرت فيه لمحات التحوير، والتزوير، بادعاء رضى الزهراء «عليها السلام» عن الذين جاؤا لاسترضائها، رغم تكذيب كل الشواهد الواقعية والتاريخية والحديثية له، وبين ذلك الرجل الآخر المعروف بانحرافه عن علي، ثم باهتمامه بنقض فضائله «عليه السلام»، وتأييد مناوئيه، وهو الكتاب والأديب الذائع الصيت، عمرو بن بحر

ــــــــــــــــــــ

(1) كشف الغمة للإربلي ج2 ص131.

(2) المجالس السنية ج5 ص120. (*)


/ صفحة 254 /

الجاحظ.. الذي يقول في رسالته المعروفة بـ «العباسية» ـ حسبما نقله عنه الشيخ الطوسي رحمه الله:

«فلما منعها ميراثها وبخسها حقها، واعتدى عليها، وجنح في أمرها، وعاينت الهضم وأيست من النزوع ووجدت مس الضعف وقلة الناصر، قالت: والله لأدعون الله عليك.

قال: والله لأدعون الله لك.

قالت: والله لا أكلمك أبدا.

قال: والله لا أهجرك أبدا.

فإن يكن ترك النكير منهم على أبي بكر دليلا على صواب منعها، إن في ترك النكير على فاطمة «عليها السلام» دليلا على صواب طلبها. وأدنى ما كان يجب عليهم في ذلك: تعريفها ما جهلت، وتذكيرها ما نسيت، وصرفها عن الخطأ، ورفع قدرها عن البذاء وأن تقول هجرا أو تجور عادلا وتقطع واصلا. فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا، فقد تكافأت الأمور واستوت الأسباب، والرجوع إلى أصل حكم الله في المواريث أولى بنا وبكم وأوجب علينا وعليكم.

ثم قال: فإن قالوا: فكيف يظن بأبي بكر ظلمها والتعدي عليها وكلما ازدادت فاطمة «عليها السلام» عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة، حيث تقول: «والله لا أكلمك أبدا».

فيقول: «والله لا أهجرك أبدا».

ثم تقول: «والله لأدعون الله عليك».

فيقول: «والله لأدعون الله لك»(1).

ثم يتحمل منها هذا القول الغليظ والكلام الشديد في دار الخلافة، وبحضرة قريش والصحابة، مع حاجة الخلافة إلى البهاء والتنزيه، وما يجب لها من الرفعة والهيبة. ثم لم يمنعه ذلك أن قال ـ معتذرا أو متقربا كلام المعظم لحقها المكبر لمقامها الصائن لوجهها المتحنن عليها ـ: فما أحد أعز علي منك فقرا، ولا أحب إلي منك غنى، ولكن سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه فهو صدقة».

قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم، والسلامة من الجور، وقد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر ـ إذا كان أريبا وللخصومة معتادا ـ أن يظهر كلام المظلوم، وذلة المنتصف، وحدب الوامق، ومقة المحق (2)» انتهى كلام الجاحظ.

ــــــــــــــــــــ

(1) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج16 ص214، وتلخيص الشافي: ج3 ص152 وغير ذلك.

(2) تلخيص الشافي ج3 ص152 و 153. عن العباسية للجاحظ. وقال المعلق ص151: إن كتاب العباسية قد طبع ضمن رسائل جمعها وحققها وشرحها الأستاذ حسن السندوبي، وأسماها «رسائل الجاحظ» ورقم هذه الرسالة (12) وقد طبعت في مطبعة الرحمانية بمصر سنة 1352. وذكر هذه الفقرات أيضاً السيد القزويني في كتابه: فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ص420 عن رسائل الجاحظ ص300 ـ 303. (*)


/ صفحة 256 /

 
   
 
 

موقع الميزان