ملاقاة الزهراء للرجال والحجاب

   

صفحة :   

ملاقاة الزهراء للرجال والحجاب:

وبالمناسبة نقول: إن البعض قد استدل على بطلان حديث: خير للمرأة أن لا ترى الرجل ولا الرجل يراها (2)، بأن الزهراء «عليها السلام»،

ــــــــــــــــــــ

(1) الرسائل الاعتقادية ص403.

(2) روي هذا الحديث عن النبي  «صلى الله عليه وآله» وعن الإمام الصادق «عليه السلام» وعن علي «عليه السلام»، فراجع: وسائل الشيعة ج20 ص232 و 67، ومستدرك الوسائل: ج14 ص183 و 289، والبحار ج43 ص54 و 48 و 84 و ج100 ص239 و ج101 ص36، وإحقاق الحق: ج9 ص202 / 203 عن البزار و ج10 ص224 و 226، عن مصادر كثيرة. وراجع: مجمع الزوائد ج4 ص255 وكشف الأستار عن مسند البزار: ج3 ص235، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج3 ص153، و 154 عن كنز العمال: ج8 ص315. وراجع كتاب الكبائر للذهبي: ص176. ودعائم الإسلام: ج2 ص124، و 215 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار): ص171 / 172 / 191، وكشف الغمة: ج2 ص92، ومكارم الأخلاق ص233، ومناقب آل أبي طالب: ج3 ص119، وعوالم العلوم: ج11 ص197، ومقتل الخوارزمي ج1 ص62، وحلية الأولياء: ج2 ص41، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص381، وثمة مصادر أخرى ذكرها في هامش كتاب العوالم وراجع: مناقب أمير المؤمنين علي «عليه السلام» للقاضي محمد بن سليمان الكوفي: ج2 ص210 و 211، وضياء العالمين (مخطوط): ج2 ق 3 ص14 عن المناقب، والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة: ص31، ودعائم الإسلام: ج2 ص214 / 215. (*)


/ صفحة 258 /

ـ وهي قائلة هذا القول ـ كانت تلتقي بالرجال، وتتحدث معهم، أثناء الأزمة التي واجهتها مع الذين هاجموا بيتها، وغصبوا فدكا.

وقد التقت مع أبي بكر وعمر، حينما جاءا ليسترضياها، وتحدثت معهما بشكل طبيعي..

وكانت «عليها السلام» تخرج مع من يخرجن مع النبي  «صلى الله عليه وآله» في غزواته ليقمن بشؤون الحرب.

وكان النبي  «صلى الله عليه وآله» يستقبل النساء، ولو صح أنه خير للمرأة أن لا ترى الرجال، لكان ينبغي أن يجعل  «صلى الله عليه وآله» حاجزا بينه وبين كل امرأة تأتيه، ويقول لها: تكلمي من وراء حجاب.

والجواب:

أولا: إن هذا الحديث وإن كان ضعيف السند، لكن الاستدلال على تكذيبه بما ذكر لا يصح، لأن التقاءها «عليها السلام» بالرجال في أيام الأزمة التي واجهتها مع أبي بكر وعمر لا يعني أنها قد كشفت عن وجهها للناظرين، وحديثها معهم قد يكون من وراء الحجاب، أو في حالة لا تريهم فيها وجهها..

وليس المقصود من عدم رؤيتها للرجال، وعدم رؤيتهم لها: أن لا ترى ولا يرى كل منهم حجم وشكل الطرف الآخر.

هذا، وقد احتمل البعض أن يكون المقصود بهذا الحديث هو بيان مرجوحية اختلاط الرجال بالنساء.

كما أن خروجها مع النبي  «صلى الله عليه وآله» في غزواته، لا يلازم أن يرى الرجال وجهها أو محاسنها، وليس ثمة أي دليل على أنها «عليها السلام» كانت تتولى بنفسها القيام بشؤون الحرب، وخروجها على هذا النحو مع النبي  «صلى الله عليه وآله» لا يدل على ما ادعي.

وكذلك الحال بالنسبة لاستقبال النبي  «صلى الله عليه وآله» للنساء، ولا يلزم في ذلك أن يجعل حاجزا بينه  «صلى الله عليه وآله» وبين كل امرأة تأتيه، ولا أن يجعل لها حجابا لتكلمه من وراء الحجاب، إذ يكفي أن تتحفظ هي بما تملكه من وسائل الستر، وتكلمه وهي مكتملة الحجاب، فإن الكلام مع شخص لا يلازم شيئاً مما نهي عنه من التزين والتبرج، أو الخضوع بالقول.

وثانيا: إنها حينما خطبت «عليها السلام» في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم قد نيطت دونها ملاءة، كما تذكر النصوص(1).

وثالثا: إن موضوع رجحان عدم رؤية الرجال لها، وعدم رؤيتها لهم، لا ينحصر ثبوته بالحديث المذكور، فهناك أحاديث ونصوص

ــــــــــــــــــــ

(1) الاحتجاج: ج1 ص254، وشرح النهج للمعتزلي: ج16 ص211 و 250، وبلاغات النساء: ص24، وأعلام النساء: ج4 ص116، وكشف الغمة: ج2 ص106، وإحقاق الحق: ج10 ص299، والشافي للمرتضى: ج4 ص69 ـ 71. وضياء العالمين (مخطوط): ج2 ق 3 ص69، وراجع: العوالم: ج11 ص468 وشرح الأخبار: ج3 ص34 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص77، وشرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج5 ص105. (*)


/ صفحة 260 /

أخرى تثبت ذلك، ونذكر منها:

1 ـ ما رواه محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، قال: استأذن ابن أم مكتوم على النبي  «صلى الله عليه وآله»، وعنده عائشة وحفصة، فقال لهما: قوما فادخلا البيت.

فقالتا: إنه أعمى.

فقال: إن لم يركما فإنكما تريانه(1).

2 ـ وعن أم سلمة قالت: كنت عند رسول الله  «صلى الله عليه وآله»، وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم مكتوم، وذلك بعد أن أمر بالحجاب، فقال: احتجبا.

فقلن: يا رسول الله، أليس أعمى لا يبصرنا؟

قال  «صلى الله عليه وآله»: أفعمياوان أنتما، ألستما تبصرانه؟! (2).

ومن الغرائب استدلال هذا البعض بهذه الرواية على دخول ابن أم مكتوم الأعمى على النبي وهو في مخادع زوجاته الكاشف عن وحدة الحال بينهما، على حد تعبيره.

ثم بناؤه على ذلك صحة نزول سورة عبس في حقه  «صلى الله عليه وآله». وقد أشرنا إلى بطلان هذا القول في الصحيح من سيرة النبي  «صلى الله عليه وآله» (3) فليراجع. 

ــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل: ج20 ص232، والكافي: ج5 ص534.

(2) الوسائل: ج20، ص232، وفي هامشه عن مكارم الأخلاق ص233، ومسند أحمد: ج6 ص296، والجامع الصحيح للترمذي: ج5 ص102، وسنن أبي داود: ج4 ص63، والكبائر للذهبي: ص177.

(3) وليراجع أيضاً: كتاب «عبس وتولى فيمن نزلت؟» ط المركز الإسلامي للدراسات سنة 1997 م. (*)


/ صفحة 261 /

وإذا كان ابن أم مكتوم بدخوله مرة أو مرتين على رسول الله  «صلى الله عليه وآله»، قد أنتج لنا وحدة الحال هذه، فينبغي أن تتحقق وحدة حال أعمق بكثير بين النبي  «صلى الله عليه وآله» وبين جل ـ إن لم يكن كل ـ من التقى بهم في حياته.

3 ـ الجعفريات: أخبرنا عبد الله، أخبرنا محمد، حدثني موسى، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه «عليهما السلام»:

إن فاطمة بنت رسول الله  «صلى الله عليه وآله» استأذن عليها أعمى فحجبته، فقال لها النبي  «صلى الله عليه وآله»: لم حجبته وهو لا يراك؟!

فقالت: يا رسول الله إن لم يكن يراني فأنا أراه، وهو يشم الريح.

فقال النبي  «صلى الله عليه وآله»: أشهد أنك بضعة مني.

وفي دعائم الإسلام عن أبي جعفر «عليه السلام» مثله. وفي نوادر الراوندي: عن موسى بن جعفر مثله(1).

4 ـ وبالإسناد المتقدم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، «عليهما السلام»: أن فاطمة بنت رسول الله  «صلى الله عليه وآله»، دخل عليها علي «عليه السلام»، وبه كآبة شديدة، فسألته عن ذلك فأخبرها: أن النبي  «صلى الله عليه وآله»

ــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الوسائل: ج14، ص289، وفي هامشه عن الجعفريات ص95، وعن دعائم الإسلام: ج2 ص214، وعوالم العلوم ج11 ص123، وفي هامشه عن نوادر الراوندي: ص13، والبحار: ج43 ص91، ورواه ابن المغازلي: ص380 ـ 381. (*)


/ صفحة 262 /

سألهم عن المرأة: متى تكون أدنى من ربها؟ فلم ندر.

فقالت: ارجع إليه فأعلمه: أن أدنى ما تكون من ربها أن تلزم قعر بيتها.

فانطلق فأخبر النبي  «صلى الله عليه وآله».

فقال: ماذا؟ من تلقاء نفسك يا علي؟

فأخبره أن فاطمة «عليها السلام» أخبرته.

فقال: صدقت، إن فاطمة بضعة مني.

ورواهما السيد فضل الله الراوندي في نوادره بأسناده عنه  «صلى الله عليه وآله» مثله(1).

ــــــــــــــــــــ

(1) مستدرك الوسائل: ج14 ص182، وفي هامشه عن: الجعفريات: 95 وعن نوادر الراوندي: ص14، والبحار: ج43 ص92 و ج100 ص250، وعوالم العلوم: ج11 ص123. (*)


   
 
 

موقع الميزان