أين هي شجاعة علي ؟!

   

صفحة :   

أين هي شجاعة علي ؟!:

قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق: «لو صح هذا دل على عجزه، حاشاه عن ذلك، فإن غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته، وامرأته في داره، وهو لا يقدر على الدفع الخ..»(1).

وقد أخذ البعض هذا المعنى، فقال: إنه لا يستسيغ أن تفتح الزهراء «عليها السلام» الباب، أو تجيب القوم، مع كون علي «عليه السلام» موجودا معها داخل البيت.

ثم إن هذا البعض يحاول أن يثير العواطف، ويحرك الأحاسيس حين يزيد على ما مر ويقول: هل يقبل أحد منكم أن تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله؟!.

ماذا يقول الناس عنه لو فعل ذلك؟ هل يقول الناس عنه بطل؟!

أو هو جبان؟ فكيف تنسبون لعلي «عليه السلام» مجندل الأبطال ما لا ترضونه لأنفسكم؟!

ثم يؤكد قوله هذا فيقول: لقد عقد في (دبي) مجلس عزاء حول الزهراء، وذكر القارئ هذه القضية، وكان أحد أهل السنة حاضرا، فقال لرجل شيعي كان هناك: أنتم تقولون: إن علياً بطل شجاع وقد «دوخ» الأبطال، فكيف لم يدافع عن زوجته، وهي وديعة رسول الله عنده؟!

ــــــــــــــــــــ

(1) إبطال نهج البلاغة (مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 قسم 1 ص47. (*)


/ صفحة 269 /

ونقول:

أولا: هذا الكلام ليس جديدا، وقد أجاب عنه العلماء، وكذلك علماء الزيدية، فقال ابن حمزة: «هو «عليه السلام» مع شجاعته لم يخل من النظر في أمر الأمة، وطلب استقامة الدين وترك ما يخشى معه التفاقم»(1).

ثانيا: قال ابن حمزة الزيدي أيضاً وهو يرد على بعضهم: «إنه لا عار عليه في أن يغلب، إذ ليست الغلبة دلالة على حق، ولا باطل، ولا على جبن. وهو إمام معصوم بالنص، لا يفعل بالعصبية، وإنما يفعل بالأمر، وقد أمر بالصبر، فكان يصبر امتثالاً لأمر الله سبحانه، وأمر رسوله «صلى الله عليه وآله»، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً»(2).

ثالثا: إن ضرب الزهراء «عليها السلام» ليس هو الوحيد في تاريخ علي «عليه السلام» مع هؤلاء القوم، فقد ورد: أن علياً «عليه السلام» نفسه قد تعرض للضرب أيضاً، لكن لا من أبي بكر، ولا من عمر، بل ممن هو أقل منهما شأنا وأثرا، وهو عثمان. فقد روى الزبير بن بكار في كتابه: عن علي بن أبي طالب «عليه السلام»، أرسل إلي عثمان في الهاجرة، فتقنعت بثوبي، وأتيته فدخلت عليه وهو على سريره، وفي يده قضيب، وبين يديه مال دثر: صبرتان من ورق وذهب، فقال: دونك خذ من هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني. فقلت: وصلتك رحم! إن كان هذا مال ورثته، أو أعطاكه معط، أو اكتسبته من تجارة، كنت أحد رجلين: إما آخذ، أو أشكر، أو أوفر فأجهد، وإن كان من مال الله وفيه حق المسلمين واليتيم وابن السبيل، فوالله، ما لك أن تعطينه ولا لي أن آخذه.

ــــــــــــــــــــ

(1) الشافي لابن حمزة: ج4 ص188.

(2) الشافي لابن حمزة: ج4 ص200، وراجع ص201. (*)


/ صفحة 270 /

فقال: أبيت والله إلا ما أبيت. ثم قام إلي بالقضيب فضربني، والله ما أرد يده، حتى قضى حاجته، فتقنعت بثوبي، ورجعت إلى منزلي، وقلت: الله بيني وبينك إن كنت أمرتك بمعروف أو نهيت عن منكر(1)!

بل هو قد تعرض للقتل أيضاً ـ وقد تحدثنا عن ذلك تحت عنوان: «أخبار عن احترام الصحابة للزهراء» ـ وقد روي في الكافي بسند صحيح عن الإمام الصادق «عليه السلام»: أنه لما خطب عمر أم كلثوم، وقال «عليه السلام»: إنها صبية، قال عمر للعباس: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله، لأعورن زمزم، ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولأقيمن عليه شاهدين بأنه سرق، ولأقطعن يمينه. فأتى العباس فأخبره، وسأله أن يجعل الأمر إليه فجعله إليه. (2)

فهذه الرواية تدل على مدى جرأتهم عليه صلوات الله وسلامه عليه.

رابعا: إنه لا شك في أن أحدا منا لا يقبل بأن تهاجم زوجته، أو أمه، أو أخته، وهو قاعد في البيت يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله..

ولو فعل ذلك لقال الناس عنه: إنه جبان قطعا، ولقلنا نحن عنه ذلك أيضاً.

ولكن إذا كان المهاجمون يريدون استدراجنا لمعركة، أو إثارة أحاسيسنا، لكي نتشنج، ونتصرف بردة الفعل، ومن دون وعي لنتائج

ــــــــــــــــــــ

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج9 ص10.

(2) الكافي: ج5 ص346. (*)


/ صفحة 271 /

تصرفاتنا، فإن الكل سوف يلومنا إذا استجبنا لاستدراج هؤلاء المهاجمين، وحققنا لهم أهدافهم.

والمهاجمون كانوا يريدون ذلك من علي «عليه السلام»، ولو أن علياً استجاب لهم، لضاعت فرصة معرفة الحق، ولأمكنهم أن يمتلكوا كل الأسهم الرابحة وكل إمكانات التشويه، والتزييف للحقيقة، كما سنوضحه إنشاء الله تعالى.

فبطولة علي «عليه السلام» هنا هي بصبره على الأذى، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضده، فعلي «عليه السلام» هو الذي يضحي بكل شيء في سبيل حفظ هذا الدين، ويعتبر أن هذه هي مسؤوليته وواجبه الشرعي، ولم يكن ليفرط في دينه في سبيل أي شيء آخر.

خامسا: ولنفرض جدلا صحة ما يقوله هذا البعض من أن القوم كانوا يحترمون الزهراء «عليها السلام» ويقدرونها، فلماذا لا يفترض أيضاً أن يكون الهدف من إجابة الزهراء «عليها السلام» لهم على الباب هو الاستفادة من مكانتها وموقعها لدفعهم بأسهل الطرق وأيسرها؟! وهل ترى أن مكانتها واحترامها دفع عنها هجوم القوم وأذاهم؟!

 
   
 
 

موقع الميزان