هل كان لبيوت المدينة أبواب:
ينقل البعض عن أستاذ لمادة التاريخ في جامعة دمشق(1):
أنه يقول:
لم يكن لبيوت المدينة في عهد الرسول أو بعده، أبواب ذات
مصاريع خشبية، بل كان هناك ستائر فقط توضع على الأبواب.
ثم قال: أنا ناقشته: لكن هو لديه دليل!
ثم يعقب ناقل هذا القول على ذلك بقوله:
فكيف عصرت الزهراء إذن بين الباب والحائط؟ وكيف اشتعلت
النار في خشب الباب؟!
ثم استدل هذا الناقل بأمرين مؤيدا بهما صحة هذا القول،
وهما:
الأول:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» رجع من بعض أسفاره، فجاء إلى بيت فاطمة
فوجد على بابه كساء كان قد أهداه إليها علي «عليه السلام» فرجع «صلى
الله عليه وآله»، فعرفت فاطمة «عليها السلام» سبب رجوعه، فأعطت الكساء
ــــــــــــــــــــ
(1)
وقال هذا البعض: إن هذا الأستاذ هو الدكتور سهيل زكار. (*)
/ صفحة 304 /
للحسن والحسين، ليوصلاه إلى أبيها، ليصنع «صلى الله
عليه وآله» به ما يشاء. فقال «صلى الله عليه وآله»: فداها أبوها. فذلك
يدل على أن الأبواب كان لها ستائر فقط.
الثاني:
إنهم يذكرون في قصة زنا المغيرة بن شعبة: أن الشهود إنما رأوه يزني حين
رفع الهواء ستر باب البيت، لا أنهم قد دخلوا عليه البيت فرأوه على ذلك
الحال الشنيع، وهذا يدل على أن الأبواب كانت لها ستائر، لا مصاريع
خشبية.
والجواب:
أولا:
إن هذا البعض يحيل على أستاذ تاريخ في جامعة دمشق دعوى: أنه لم يكن
لبيوت المدينة أبواب في عهد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وقال:
إنه ناقشه لكن هذا الرجل عنده دليل.
ونحن نقول لهذا البعض:
هل فندت دليله، أم اقتنعت به؟
فإن كنت قد فندته، فكيف، وبأية طريقة؟!
وإن كنت قد قبلته، كما هو ظاهر استدلالك له، فلماذا لا
تجهر بذلك، وتحيل على غيرك؟!
ثانيا:
لعل دعوى: أنه لم يكن في المدينة أبواب مجرد مزحة (!!) أريد بها مداعبة
إخوان الصفاء، وتطرية الأجواء بعد الصد والجفا!!
وهذه المزحة (!!) هي التي دعتنا إلى المبادرة إلى جمع
عشرات أو مئات النصوص الدالة على أنه قد كان لمداخل بيوت المدينة
المنورة في عهد رسول الله وبعده أبواب ذات مصاريع تفتح وتغلق، وتكسر
وتحرق، وتقفل وتطرق.
/ صفحة 305 /
ولها كذلك مفاتيح وأقفال، ورتاج، وحلق يقرع الباب بها.
وقد يكون خشبها من عرعر، أو من ساج، كما كان باب بيت
عائشة، وقد تكون من جريد وسعف النخل وقد يكون من خشب، وقد توضع على هذه
المصاريع ستائر، إلى غير ذلك مما لا مجال لتعداده وحصره، فضلا عن
إيراده وذكره.
إذن،
فلا ضير إذا أرجعنا القارئ العزيز إلى ذلك البحث الذي سيأتي بعنوان:
«أبواب بيوت المدينة في عهد الرسول «صلى الله عليه وآله»»، ليجد فيه
بغيته، في نصوص جمة نقلناها عن كتب ومصادر كثيرة، خصوصا عن البحار
وجملة من مصادره، وعن كتب الصحاح، ومسند أحمد، وغيرها من مجاميع الحديث
عند أهل السنة.
ثالثا:
إن الاستدلال بحديث أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قدم من سفر،
فوجد على باب بيت فاطمة «عليها السلام» سترا، فلم يعجبه ذلك(1)
غير كاف للدلالة على المطلوب، فقد كان للأبواب عموما مصاريع خشبية
وستائر معا، فقد يفتح الباب ويبقى الستار، ويشير إلى ذلك:
1 ـ
ما روي عن أبي ذر عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، إنه قال: «إن مر
ــــــــــــــــــــ
(1)
راجع المصادر التالية: البحار: ج43 ص83 و 86 و 89 و 20 و ج85 ص94.
ومكارم الأخلاق: ص95 (ط سنة 1392 ه. ق.)، والأمالي للصدوق ص194 (ط
الأعلمي سنة 1400 ه.) وكشف الغمة للإربلي: ج2 ص76. ونهاية الأرب: ج5
ص264، وذخائر العقبى: ص51 عن أحمد، وينابيع المودة (ط الأعلمي) ج2 ص52،
ونظم درر السمطين: ص177، ومسند أحمد ج5 ص275، ومختصر سنن أبي داود: ج6
ص108، وإحقاق الحق: (الملحقات) ج10 ص291 ـ 293 و 234 و ج19 ص106 و 107
عن بعض من تقدم وعن مصادر كثيرة أخرى. (*)
/ صفحة 306 /
رجل على باب لا ستر له، غير مغلق، فنظر، فلا خطيئة
عليه، إنما الخطيئة على أهل البيت(1)».
2 ـ
ما جاء في حديث عن الإمام الصادق «عليه السلام»، يقول فيه: «فأمر النبي
«صلى الله عليه وآله» بإخراج من كان في البيت، ما خلا عليا. وفاطمة
فيما بين الستر والباب..(2)».
3 ـ
وعن علي «عليه السلام»: أنه كره أن يبيت الرجل في بيت ليس له باب ولا
ستر(3).
4 ـ
وعن النبي «صلى الله عليه وآله»: «هل منكم رجل إذا أتى أهله، فأغلق
عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله الخ..
(4)».
5 ـ
وسئل النبي «صلى الله عليه وآله» عن رجل طلق امرأته ثلاثا، ثم تزوجها
رجل، فأغلق الباب وأرخى الستر، ثم طلقها قبل أن يدخل بها، تحل لزوجها
الأول؟!
قال: حتى تذوق عسيلتها.
وبمعناه غيره (5).
6 ـ
عن عائشة، قالت: «فتح رسول الله «صلى الله عليه وآله» بابا بينه وبين
الناس، أو كشف سترا..(6)».
ــــــــــــــــــــ
(1)
مسند أحمد: ج5 ص153.
(2)
بحار الأنوار: ج22 ص479 و 480 والكافي ج1 281 و 282.
(3)
قرب الإسناد ص146 (ط مؤسسة آل البيت) والكافي: ج6 ص533، والبحار: ج73
ص157، والوسائل: ج5 ص325.
(4)
سنن أبي داود: ج1 ص234 و 235 (ط دار إحياء التراث العربي).
(5)
مسند أحمد: ج2 ص62 وراجع: سنن النسائي ج6 ص149.
(6)
سنن ابن ماجة: ج1 ص510. (*)
/ صفحة 307 /
رابعا:
بالنسبة لقصة المغيرة بن شعبة، فإن الاستدلال بها غير صحيح أيضاً،
وذلك:
1 ـ
لأن الطبري وغيره من المؤرخين يذكرون: أن بيت أبي بكرة كان مقابل بيت
المغيرة بن شعبة، بينهما طريق، وهما في مشربتين متقابلتين، فاجتمع عند
أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته، فهبت ريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو
بكرة ليصفقه، فبصر بالمغيرة، وقد فتحت الريح باب الكوة التي في مشربته،
وهو بين رجلي امرأة، فقال أبو بكرة للنفر: قوموا، فانظروا، فقاموا
ونظروا، ثم قال: أشهدوا الخ..(1).
2 ـ
هذا، بالإضافة إلى ما قدمناه من أن وجود الستر لا ينافي وجود مصاريع
خشبية للباب أيضاً، ولا مانع من أن يكتفي المغيرة بإسدال الستر، ويترك
المصاريع مفتوحة، ثم يفضحه الله بواسطة الريح.
ــــــــــــــــــــ
(1)
تاريخ الأمم والملوك: (ط دار سويدان) ج4 ص70، حوادث سنة 17 ه.
والبحار: ج30 ص640. وراجع: فتوح البلدان: ج3 ص352، وسنن البيهقي: ج8
ص235، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص540 و 541، ووفيات الأعيان:
ج2 ص455، والبداية والنهاية: ج7 ص81، وعمدة القاري: ج6 ص340، وشرح نهج
البلاغة للمعتزلي الشافعي: ج12 ص234 ـ 237، والأغاني: (ط دار إحياء
التراث العربي) ج16 ص331 و 332 وكنز العمال. (*)
/ صفحة 308 /
|