هل ثبت عندكم كسر الضلع؟!
وقد نجد البعض إذا سئل عن رأيه في موضوع الاعتداء على
الزهراء وكسر ضلعها، يبادر هو إلى سؤال سائله الذي هو إنسان عادي ويقول
له:
هل كسر الضلع ثابت عندكم أنتم؟! وما الدليل؟!
ونقول:
أولا:
أنه لا يحسن بمن يعتبر نفسه من أهل العلم، ويعتبر نفسه مسؤولا عن هداية
الناس أن يواجه إنسانا عاديا من عامة الناس بهذا
/ صفحة 328 /
السؤال، إلا إذا كان يقصد إثارة الشبهة في ذهنه، لتسهل
السيطرة عليه، وإخضاعه لما يريد بأيسر طريق.
ثانيا:
إن النصوص المثبتة لما جرى على الزهراء كثيرة، والكتب المؤلفة في
القرون السابقة تطبع باستمرار، وتكتشف المخطوطات هنا وهناك، ونجد فيها
المزيد مما يؤيد ويؤكد هذه القضية.
ولا نريد أن نصر على هذا الرجل كثيراً بقبول روايات كسر
ضلع الزهراء وجرحها، واستشهادها «عليها السلام»، وإن كانت كثيرة
ومتنوعة، ولكننا نقدم للقارئ الكريم نموذجا منها هنا،
فنقول:
1 ـ
قال الطبرسي: «فحالت فاطمة «عليها السلام» بين زوجها وبينهم عند باب
البيت، فضربها قنفذ بالسوط... إلى أن قال: فأرسل أبو بكر إلى قنفذ
لضربها، فألجأها إلى عضادة باب بيتها، فدفعها فكسر ضلعا من جنبها،
وألقت جنينا من بطنها(1)».
وقد قال الطبرسي في مقدمة كتابه «الاحتجاج» الذي ذكر
فيه هذا الحديث ما يلي:
«ولا نأتي في أكثر ما نورده من الأخبار بإسناده إما
لوجود الإجماع عليه، أو موافقته لما دلت العقول إليه، أو لاشتهاره في
السير والكتب بين المخالف والمؤلف، إلا ما أوردته عن أبي محمد الحسن
العسكري «عليه السلام»..» (2).
2 ـ
وروى السيد ابن طاووس رحمه الله نص الزيارة التي يقول فيها: «الممنوعة
إرثها، المكسورة ضلعها، المظلوم بعلها، والمقتول
ــــــــــــــــــــ
(1)
الاحتجاج: ج1 ص212، ومرآة العقول: ج5 ص320.
(2)
الاحتجاج: المقدمة ص4. (*)
/ صفحة 329 /
ولدها»(1).
3 ـ
قد روى الكليني عن محمد بن يحيى، عن العمركي بن علي، عن علي بن جعفر،
عن أخيه، عن أبي الحسن «عليه السلام» قال: «إن فاطمة «عليها السلام»
صديقة شهيدة، وإن بنات الأنبياء لا يطمثن (2)».
4 ـ
وروى الصدوق عن علي بن أحمد بن موسى الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله
الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي
حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن رسول الله كان
جالسا إذ أقبل الحسن «عليه السلام»... إلى أن قال:
«وأما ابنتي فاطمة... وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها
بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت
إرثها، وكسر جنبها وأسقطت جنينها الخ... (3)».
ورواه الديلمي (4)
والجويني أيضاً (5).
5 ـ
وروى سليم بن قيس الهلالي، قال: «فألجأها قنفذ لعنه الله إلى عضادة باب
بيتها ودفعها، فكسر ضلعها من جنبها، فألقت جنينا من بطنها، فلم تزل
صاحبه فراش حتى ماتت «صلى الله عليها» من ذلك
ــــــــــــــــــــ
(1)
إقبال الأعمال: ص625، والبحار: ج97 ص200.
(2)
الكافي: ج1 ص458. عوالم العلوم: ج11 ص260.
(3)
الأمالي للصدوق: ص100 و 101، وإرشاد القلوب للديلمي: ص295، والبحار:
ج28 ص37 / 39 و ج43 ص172 / 173، والعوالم: ج11 ص391 (الجزء الخاص
بالزهراء)، وستأتي مصادر أخرى.
(4)
إرشاد القلوب: ج2 ص295.
(5)
فرائد السمطين: ج2 ص35. (*)
/ صفحة 330 /
شهيدة»(1).
6 ـ
وذكر ابن شهر آشوب: أن ابن قتيبة قال: إنها أسقطت محسّنا بسبب زخم قنفذ
العدوي. والزخم هو الجرح.
7 ـ
وقال السيد الحميري رحمه الله:
ضربت واهتضمت من حقها * وأذيقت بعده طعم السلع
قطع الله يدي ضاربها * ويد الراضي بذاك المتبع (2)
السلع: الشق والجرح.
وشعر السيد الحميري يدل على شيوع هذا الأمر في عهد
الإمام الصادق «عليه السلام»، وذيوعه، حتى لتذكره الشعراء، وتندد به،
وتزري به على من فعله.
8 ـ
وقد ذكر الإمام الحسن أن المغيرة قد ضرب الزهراء حتى أدماها.
9 ـ
ونجد الشيعة في عهد الصدوق رحمه الله، يصرون على زيارتها «عليها
السلام» بالزيارة التي تضمنت: أنها صديقة شهيدة.
وسيأتي في هذا الكتاب نصوص ذلك، وكذا النصوص الدالة على
استشهادها «عليها السلام».
وثانيا:
إذا لم يثبت كسر الضلع، فإن ذلك لا يعني نفي هذا الأمر من الأساس، ولا
يصح منع قراء العزاء من ذكره، ما دام أن المؤرخين قد رووه، وحدثوا به.
ــــــــــــــــــــ
(1)
كتاب سليم، بتحقيق محمد باقر الأنصاري: ج2 ص588.
(2)
الصراط المستقيم: ج3 ص13. (*)
/ صفحة 331 /
ثالثا:
هل يجب توفر سند صحيح لكل قضية تاريخية؟! وكم هو عدد القضايا التي ثبتت
كذلك؟ وهل ثبوت أية قضية تاريخية يتوقف على وجود سند صحيح وفق المصطلح
الرجالي؟!.
ولماذا يطلب السند الصحيح في خصوص هذه القضية، مع أن
نفس هذا المتسائل يقول:
إننا لا نحتاج إلى السند الصحيح في إثبات القضايا،
ويكفي الوثوق بصدورها، بل هو يكتفي بعدم وجود داع إلى الكذب لصحة الأخذ
بالرواية، ولو من كتب غير الشيعة الإمامية، مع أنه يحاول إثارة الشبهات
حول روايات أهل البيت «عليهم السلام» بالتأكيد المستمر على وجود
المكذوب والموضوع فيها، دون أن يشير إلى جهود العلماء في تمييز الصحيح
والمعتبر عن غيره..
وخلاصة الأمر:
إنه لا يمكن بملاحظة كل ما ذكرناه تكذيب هذا الأمر ما دام أن القرائن
متوفرة على أنهم قد هاجموها، وضربوها، وأسقطوا جنينها: وصرحت النصوص
بموتها شهيدة أيضاً، الأمر الذي يجعل من كسر الضلع أمراً معقولاً
ومقبولاً في نفسه، فكيف إذا جاءت روايته في كتب الشيعة والسنة، بل
وأشار إليه الشعراء أيضاً، ولا سيما المتقدمون منهم.
رابعا:
لو فرضنا أن كسر الضلع لم يثبت، فلماذا يجعل ذلك ذريعة للتشكيك في ثبوت
ضربهم للزهراء «عليها السلام»، وإسقاط جنينها، وانتهاك حرمة بيتها، مع
أن ذلك مما أجمعت عليه طائفة الشيعة الإمامية، واستفاضت به رواياتهم،
بل تواترت، ورواه الكثيرون من مؤرخي ومحدثي باقي الفرق الإسلامية.
/ صفحة 332 /
أم أن البحث الموضوعي يقتضي التركيز على أمر، ظن ذلك
البعض أنه النقطة الأضعف فأراد التشكيك بها ليسهل التشكيك بما سواها،
بأسلوب إطلاق الحكم الكلي، والحديث بالعمومات والمبهمات، حيث لا يلتفت
الناس إلى التفاصيل، وبذلك يكون قد تمكن من نسف الثوابت والقطعيات، وما
أجمع عليه علماء المذهب، ورووه متواترا ومستفيضا، بل رواه غيرهم ممن لا
يسعدهم ثبوت ذلك لما فيه من إزراء على من يحبونهم ويتولونهم.
|