النفي يحتاج إلى دليل

   

صفحة :   

النفي يحتاج إلى دليل:

يقول البعض:

أنا لا أنفي قضية كسر الضلع، ولكنني أقول: التي غير مقتنع بذلك.

وكما أن الإثبات يحتاج إلى دليل، كذلك فإن النفي يحتاج إلى دليل.

ثم ذكر أسباب عدم اقتناعه.

ونحن قد ذكرنا هذه الأسباب كلها في هذا الكتاب، وأثبتنا عدم صحة الاستناد إليها، ولكنا نزيد هنا أمورا على ما تقدم، وهي:

الأول: سلمنا أنه غير مقتنع بكسر الضلع، ولكننا نسأله: هل هو مقتنع بسائر ما جرى على الزهراء، من ضرب، وإسقاط جنين، وتهديد بإحراق البيت بمن فيه، وفيه أولادها وزوجها، ثم بإشعال النار بقصد إحراقهم.

فإن كان مقتنعا بكل ذلك، ولم يبق عنده شيء مشكوك سوى كسر الضلع فلا ضير في ذلك، لأن سائر الأمور تكفي لإثبات اللوازم التي يثبتها إقدامهم على كسر ضلع الزهراء ولا سيما النصوص التي تنص على أنها «عليها السلام» قد ماتت شهيدة صديقة.

الثاني: ليس ثمة من مشكلة إذا لم يقتنع زيد من الناس بقضية ما، ولكن المشكلة هي: أن يكون هذا الذي يظهر أنه غير مقتنع بثبوت شيء يجهد في سبيل إقناع الناس، بعدمه، ويحشد ما يعتبره أدلة وشواهد من كل حدب وصوب ليثبت هذا العدم، وذلك تحت شعار وستار عدم الاقتناع.


/ صفحة 326 /

وقد قال أحدهم لآخر عن صياد كان يذبح طائرا، وعيناه تدمعان بسبب مرض فيهما: انظر إلى هذا الصياد ما أرق قلبه، أنه يبكي على الطائر الذي يذبحه رأفة به ورحمة له.

فقال له رفيقه: لا تنظر إلى دموع عينيه، بل انظر إلى فعل يديه. فكيف يقنعنا قول هذا البعض بأنه لا ينفي كسر الضلع، وهو يأتي بألف دليل ودليل ـ بزعمه ـ على هذا النفي. وعلى غيره مما ينفي القضية من أصلها.

الثالث: إن مهمة العالم هي أن يحل المشكلات التي يواجهها الناس في حياتهم الفكرية والثقافية، خصوصا فيما يرتبط بما هو من اختصاصه، ومن صميم مهماته، فلا بد أن يحسم أمره، إما إلى جانب الإثبات بدليل، أو إلى جانب النفي بدليل(1) أو الانسحاب من الإجابة إلى أن يحزم أمره، ويتخذ قراره.

وليس من حقه أن يثقف الناس بمشكوكاته، التي لم يستطع إنجاز دراستها، أو لم يحصل اليقين فيها، أو لم يعمل هو للحصول على هذا اليقين، وإلا فكيف نفسر قوله:

سألت السيد شرف الدين في أوائل الخمسينات أثناء دراستي للموضوع، ثم يقول في سنة 1414 ه‍ عثرت أخيرا على نص في البحار يقول كذا... فهل استمر بحثه أكثر من أربعين سنة حتى أمكنه العثور أخيرا على هذا النص أو ذاك.

وهل يصدق على هذا اسم البحث، والدرس، وهو لم ينظر إلا

ــــــــــــــــــــ

(1) لا سيما إذا كان هو الذي يقول: إن النفي أيضاً يحتاج إلى دليل (*)


/ صفحة 327 /

إلى كتاب البحار، وفي هذا الوقت المتأخر جدا، وحيث لم يعثر فيه إلا على هذا النص اليتيم. رغم ما حفل به كتاب البحار من نصوص كثيرة جدا، كما سيظهر إن شاء الله تعالى.

وإذا كان قد عثر على هذا النص الذي يريد أن يظهر لنا أنه قد حل له المشكلة، فلماذا عاد إلى التشكيك وإلى التساؤل؟

الرابع: إن الذي يثير التساؤلات قد يكون إنسانا عاديا غير متعلم، لم يتخرج من جامعة، ولا درس في الحواضر العلمية الدينية، فله عذره، والحال هذه، وعلى العالم العارف أن يحل له تلك العقدة، أو العقد ويجيب على ذلك السؤال أو تلك الأسئلة. وأما إذا كان الذي يثير تلك الأسئلة هو العالم المتصدي للإجابة على مسائل الناس، فإن الناس يفهمون من عدم إجابته عليها أنه ملتزم بمضمون السؤال، وبكل لوازمه وآثاره.

 
   
 
 

موقع الميزان