صفحة : 327   

علي الشجاع لم يعلن اغتصاب الخلافة منه!!

السؤال رقم 32:

لقد أجمع أهل السنة والجماعة، والشيعة بجميع فرقهم على أن علي بن أبي طالب «رضي الله عنه» شجاع لا يشق له غبار، وأنه لا يخاف في الله لومة لائم. وهذه الشجاعة لم تنقطع لحظة واحدة من بداية حياته حتى قتل على يد ابن ملجم.

والشيعة كما هو معلوم يعلنون أن علي بن أبي طالب هو الوصي بعد النبي ﷺ بلا فصل.

فهل توقفت شجاعة علي «رضي الله عنه» بعد وفاة النبي ﷺ حتى بايع أبا بكر الصديق «رضي الله عنه»؟!

ثم بايع بعده مباشرة الفاروق عمر بن الخطاب «رضي الله عنه»؟!

ثم بايع بعده مباشرة ذا النورين عثمان بن عفان «رضي الله عنه»؟!

فهل عجز «رضي الله عنه» ـ وحاشاه من ذلك ـ أن يصعد منبر رسول الله ﷺ ولو مرة واحدة في خلافة أحد الثلاثة ويعلنها مدوية بأن الخلافة قد اغتصبت منه؟! وأنه هو الأحق بها لأنه الوصي؟!

لماذا لم يفعل هذا ويطالب بحقه وهو من هو شجاعة وإقداماً؟! ومعه كثير من الناصرين المحبين؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

الشجاعة لا تعني التهور:

إن شجاعة علي «عليه السلام» لا تعني أن يكون متهوراً، وأن يبطش بالناس غير مبال بالعواقب، كما أنه لم يكن ليستفيد من شجاعته إلا وفق الضوابط الشرعية، لا لينتقم لنفسه، أو ليشفي غليل صدره.. إنه شجاع بالله، ولله، وفي سبيل الله..

كيف اعترض على المستولين على الخلافة:

إن أبلغ اعتراض يمكن أن يسجل على الذين استولوا على الخلافة هو ما سجله علي «عليه السلام» بصبره الذي أحرجهم فأخرجهم عن حالة التوازن، فقد رأى الناس بأم أعينهم كيف هاجم بيته الذين استولوا على حقه، واقتحموه، وضربوا زوجته، وأسقطوا جنينها..

ولا بد أن يسأل الناس كلهم عن سبب هذا الهجوم عليه، وعن سبب ضرب أشرف وأفضل وخير نساء العالمين من الأولين والآخرين، وعن سبب محاولة إحراق ذلك البيت الطاهر بمن فيه؟! ولماذا لم يصنعوا مع غير علي والزهراء «عليهما السلام» مثل ما فعلوه معهما..

وسيرى الناس: أنه «عليه السلام» لم يعتد عليهما، وأنهم قد صنعوا ذلك كله قبل أن يروه ويكلموه بأية كلمة..

وهذا عجيب حقاً.. وأي عجب!!

وحيث إن الناس كلهم قد رأوا ذلك كله، وعاشوه، ولا يمكن أن نتوقع أنهم كانوا راضين به، فلا بد أن نعرف أنهم كانوا واقفين على حقيقة دوافع الفاعلين لذلك كله، وعلى أن الأمور كانت واضحة لهم وضوح الشمس.

ولا نرى سبباً لهذا الوضوح إلا أن كلهم أو أكثريتهم الساحقة كانوا قد حضروا في حجة الوداع، وعاينوا ما جرى يوم عرفة، ثم حضروا يوم الغدير، وشايعوا وبايعوا علياً «عليه السلام».. ولم يمض على ذلك الحدث العظيم سوى سبعين يوماً كانت زاخرة بالأحداث الجليلة التي أظهرت مدى تصميمهم على نقض ما أبرمه الله ورسوله..

مثل إقدامهم على منع النبي «صلى الله عليه وآله» من كتابة الكتاب، واتهامه «صلى الله عليه وآله» بالهذيان، وبأنه يهجر ـ والعياذ بالله ـ.

والتمنع عن المسير في جيش أسامة، رغم الإصرار النبوي المتواصل والشديد عليهم في ذلك.

ومثل محاولة الإستيلاء على مقام الصلاة بالناس حتى في حياة رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وقد أدرك الناس كلهم: أن هذا الأمر محسوم، وأنه لا فائدة من الكلام والجدال فيه، بل سيكون الكلام فيه ـ في أي مستوى كان ـ بمثابة صب الزيت على النار..

هل احتج علي عليه السلام لإثبات حقه؟!:

قال السائل: إن علياً «عليه السلام» لم يحتج على مناوئيه بأن الحق له.. وهذا غير دقيق، فقد احتج عليهم بأنواع من الإحتجاجات، ونقض أيضاً حججهم، وبين بطلانها، واحتج ببيعتهم له، وبما جرى يوم الغدير، وبأمور كثيرة أخرى..

ولكن من يبادر قبل أي شيء إلى إحراق البيت بمن فيه، وإلى ضرب سيدة نساء العالمين، إلى حد إسقاط جنينها.. وإلى غير ذلك من أمور.. هل سيسمح لعلي «عليه السلام» بصعود المنبر، وخطبة الناس والإحتجاج عليهم، وإبطال ما جاؤوا به؟! أم أنه سيثيرها حرباً شعواء تأكل الأخضر واليابس ضد علي «عليه السلام» لو حاول أن يفعل ذلك؟!

وهل سيقف المتربصون بالإسلام وأهله في هذه الحالة موقف المتفرج؟! أم أنهم سيوردون ضربتهم القاصمة التي لا تبقي ولا تذر..

وبعد، فإن علينا أن نتذكر دائماً قوله «عليه السلام»:

«وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً»([1]).

ومنها قوله «عليه السلام»: «اللهم إني أستعديك على قريش [ومن أعانهم]؛ فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري(أو هو لي)»([2]).

والنصوص الإحتجاجية له «عليه السلام» كثيرة، وفي كتاب الصحيح من سيرة الإمام علي «عليه السلام» بعض من ذلك([3]).

الشك في بيعة علي عليه السلام للخلفاء:

ذكر السائل: أن علياً «عليه السلام» قد بايع أبا بكر وعمر، وعثمان.. وذلك موضع ريب وشك، فإن بيعته لعمر مشكوك فيها، لأن الظاهر أن خلافة عمر استندت إلى وصية أبي بكر، واكتفى الناس بها، فلم تجر بيعة ليقال: هل بايع علي، أو لم يبايع؟!

ومراجعة كتب التاريخ لا تجدي في تحديد ما جرى، لأنها تجري الكلام في سياق عام، وتتجاهل التفاصيل.

أما بالنسبة لبيعة علي «عليه السلام» لعثمان، فهي دائرة بين احتمالين:

أحدهما: أن يكون قد بايع تحت وطأة التهديد بالسيف([4]).. ومن الواضح: أنه لا بيعة لمكره([5]).

الثاني: ما ذكره الشيخ المفيد، الذي قال عن علي «عليه السلام»: «وانصرف مظهراً النكير على عبد الرحمان. واعتزل بيعة عثمان. فلم يبايعه، حتى كان من أمره مع المسلمين ما كان»([6]).

أما بالنسبة لبيعة علي «عليه السلام» لأبي بكر، فهي مشكوكة أيضاً، فإن كان قد بايع مكرهاً، فلا فائدة في بيعة كهذه، إذ لا بيعة لمكره كما قلنا في السؤال رقم (19)..

وإن لم يكن قد بايع، فقد سقط احتجاج السائل على الشيعة..

وقد روي: أنه «عليه السلام» أقسم على عدم البيعة، فقال لعمر: إذاً ـ والله ـ لا أقبل قولك، ولا أحفل بمقامك، ولا أبايع([7]). ولم يكن علي «عليه السلام» بالذي يحنث بقسمه..

ويمكن أن يقال أيضاً: إن حديث احتجاج طائفة من الصحابة على أبي بكر يدلُّ على أن علياً «عليه السلام» لم يبايع أبا بكر، فبعد أن امتنع «عليه السلام» عن بيعة أبي بكر في اليوم الأول صعد أبو بكر المنبر في اليوم التالي، فتشاور قوم فيما بينهم.

فقال بعضهم: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وقال آخرون منهم: والله، لئن فعلتم أعنتم على أنفسكم.. ثم اتفقوا على استشارة علي «عليه السلام» في ذلك، فلما أخبروه بالأمر قال: وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم، ومستعدين للحرب والقتال، وإذن لأتوني. وقالوا لي: بايع وإلا قتلناك. فلا بد لي من أن أدفع القوم عن نفسي([8]).

فدلَّ هذا الخبر على أن تصرفهم هذا سوف يؤدي إلى حرب.. ولا يؤدي إلى حرب إلا إذا خيَّر بين البيعة وبين القتل، فإذا اختار عدم البيعة وقعت الحرب، التي تفرض أن يأتي الناس إليه متأهبين للقتال. حيث سيضطر إلى دفع القوم عن نفسه بهذه الطريقة.

كل إمام في عنقه بيعة:

واذا كان «عليه السلام» لم يبايع، فكيف نفسّر ما ورد في بعض النصوص:

«..ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم..»([9]).

ونجيب:

بأنه لا شك في أن المقصود هو البيعة التي تكون بالإكراه. أو ما صورته صورة البيعة بنظر الناس من عهد وعقد. إذ لا شك في بطلان إمامة كل من ادعى الإمامة خارج النص الإلهي..

فلا قيمة للبيعة المبنية على باطل، فإن كان قد جيء بعلي «عليه السلام» ملبباً، ثم مسح أبو بكر على يده، وصاحوا: بايع أبو الحسن.. ولم يعد بالإمكان إنكار هذا الأمر ولا مجال لاقتلاعه من أذهان الناس، كفى ذلك في صدق الأحاديث المشار إليها، على أساس أن المراد: في عنقه بيعة بنظر الناس بصورة عامة..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..


([1]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص31.

([2]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص85 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج4 ص175 والغارات للثقفي ج1 ص308 وج2 ص570 و 767 والمسترشد ص416 وكتاب الأربعين للشيرازي ص172 و 186 وبحار الأنوار ج29 ص605 وج33 ص569 (ط قديم) ج8 ص621 والمراجعات ص390 والنص والإجتهاد ص444 ونهج السعادة ج6 ص327 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص103 وج6 ص96 وج9 ص305 والإمامة والسياسة ج1 ص155 و (تحقيق الزيني) ج1 ص134 و (تحقيق الشيري) ج1 ص176 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص74 فما بعدها.

([3]) المناقب للخوارزمي ص313 ح314 وفرائد السمطين ج1 ص19ـ 322 وكنز= = العمال ج5 ص716 ـ 726 وكفاية الطالب ص386 و387، عن كتاب الطير للحاكم النيسابوري، ولسان الميزان ج2 ص156 و157 وميزان الإعتدال ج1 ص441 و442 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص431 ـ 436 والخصال ج2 ص553 وبحار الأنوار ج31 ص315 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص167 و 168 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص35 واللآلي المصنوعة ج1 ص361 ـ 363 وغاية المرام ص564 والصواعق المحرقة ص126 و156 والأمالي للطوسي ص7 و212 و (ط أخرى) ص322 ح667 و 554 ح1169 وفي (ط أخرى) ج1 ص343 وج1 ص159 و 166 والضعفاء الكبير للعقيلي ج1 ص211 ح258 والتاريخ الكبير للبخاري ج2 ص382 والغدير لابن جرير الطبري، ورواه الذهبي عنه، ورواه الطبراني، والدارقطني والأمالي للحسين بن هارون الضبي (مخطوط) الورق 140 في المجموع 22 في المكتبة الظاهرية.. وعن ابن مردويه، والأمالي لعلي بن عمر القزويني (مخطوط) في مجاميع المكتبة الظاهرية، ومناقب الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» لابن المغازلي ص112 ح155 وجمع الجوامع ج2 ص165 و166 عن أبي ذر، وج2 ص166 و167 والتفسير الكبير للرازي ج12 ص28 والدر النظيم ج1 ص116ومختصر تاريخ دمشق ج16 ص157 و 158 وإرشاد القلوب للديلمي ج2 ص51 والطرائف لابن طاووس ج2 ص411 وبناء المقالة الفاطمية ص410 وغاية المـرام ج5 ص77 وج6 ص5 وسفينـة = = النجاة للتنكابني ص361 وشرح إحقاق الحق (الأصل) ج5 ص31 وج15 ص684 ونهج السعادة ج1 ص127 وينابيع المودة ج2 ص344 وكتاب الولاية لابن عقدة ص176 وبشارة المصطفى ص243.

([4]) أنساب الأشراف ج5 ص22 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص265 والغدير ج5 ص374 و 375 وج9 ص197 و 379 وج10 ص26 والوضاعون وأحاديثهم ص498 و 499 وتقريب المعارف ص351 وغاية المرام ج6 ص8 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص238 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج3 ص302 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص305 و 304 والإمامة (تحقيق = = الزيني) ج1 ص31 و (تحقيق الشيري) ج1 ص45.

وراجع: صحيح البخاري ج6 ص2635 ح6781 و (ط دار الفكر) ج8 ص123والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص147 وعمدة القاري ج24 ص272 والمصنف للصنعاني ج5 ص477 وتاريخ مدينة دمشق ج39 ص193.

([5]) راجع: البداية والنهاية ج10 ص90 ومقاتل الطالبيين ص190 وتاريخ الأمم والملوك (ط أورپا) ج3 ص200 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج6 ص190 والكامل في التاريخ ج5 ص532.

([6]) الجمل للمفيد ص123 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص61.

([7]) الإحتجاج للطبرسي ج1 ص181 ـ 185 و (ط دار النعمان سنة 1386هـ) ج1 ص94 ـ 97 وبحار الأنوار ج28 ص185.

([8]) الإحتجاج ج1 ص181 ـ 185 و (ط دار النعمان سنة 1386هـ) ج1 ص94 ـ 97 وبحار الأنوار ج28 ص191 وقد ذكرنا هذه الحادثة ومصادرها في فصل: «إحتجاجات ومناشدات».

([9]) كمال الدين ص316 وكفاية الأثر ص225 والإحتجاج ج2 ص9 وبحار الأنوار ج14 ص349 وج44 ص19 وج51 ص132 وج52 ص279 وكشف الغمة للإربلي ج3 ص328 والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي ص302 وغاية المرام ج2 ص285 وإلزام الناصب ج1 ص194 ومكيال المكارم ج1 ص113 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليه السلام» للنجفي ج8 ص233.

 
   
 
 

موقع الميزان