عمر يولي علياً المدينة، فكيف يبغضه؟!
يدعي الشيعة:
أن عمر ـ «رضي الله عنه» ـ يبغض علياً ـ «رضي الله عنه»
ـ ثم نجد عمر يولي علياً على المدينة عندما خرج لاستلام مفاتيح بيت
المقدس؟!([1])
علما بأن علياً «رضي الله عنه» كان سيصبح خليفة على المسلمين في حال
تعرض ـ عمر «رضي الله عنه» ـ لأي مكروه!
فأي بغض هذا؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
إن الكلام ليس في بغض عمر لعلي «عليه السلام»، أو عدمه،
وإنما الكلام في قبول عمر لعلي «عليه السلام» إماماً وخليفة منصوباً من
قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، أو عدم قبوله بذلك. وقد أثبتت
الأحداث أنه لم يرض به، كذلك ورشح أبا بكر، ثم تولى هو نفسه هذا المقام
بالرغم من أنه كان هو وأبو بكر قد بايعاه يوم الغدير..
إن الرواية التي تقول:
إن عمر حين سار إلى بيت المقدس قد استخلف علياً على
المدينة([2])
لا يمكن قبولها لما يلي:
1 ـ
إن راوي هذه الدعوى هو سيف بن عمر، المشهور بالكذب والوضع والانحراف عن
علي «عليه
السلام»،
فلا يمكن الاعتماد على روايته، ولا سيما فيما يرتبط بعلي «عليه
السلام».
2 ـ
قال اليعقوبي:
إنه استخلف على المدينة حينئذٍ عثمان بن عفان([3]).
3 ـ
قلنا في إجابة على سؤال رقم 36: إن علياً «عليه السلام» إذا كان لا
يرضى حتى أن يسافر مع عمر، رغم محاولته ذلك، ولا يرضى بأن يتولى حرب
الفرس بالقادسية، فهل يرضى بتولي المدينة في غياب عمر؟!
فإن توليه «عليه السلام» لها:
يتضمن نوعاً من الإعتراف بشرعية حكومة عمر. ولم يكن علي
«عليه السلام» ليسجل ذلك على نفسه، فإنه كان حريصاً على الجهر دائماً
بعدم مشروعية خلافتهم تلميحاً وتصريحاً.
كما أنه كان يعرف:
أن ذلك يتضمن إنقاصاً من قدره، وتصغيراً لشأنه، وهو
الذي يقول: اللهم عليك بقريش، فإنهم قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي،
وصغَّروا عظيم منزلتي([4]).
وقال في الخطبة الشقشقية عن أهل
الشورى:
«متى اعترض الريب فِيَّ مع الأول منهم، حتى صرت أقرن
إلى هذه النظائر»؟!([5]).
4 ـ
إن كلام عمر يشير إلى: أنه لم يستخلف علياً «عليه السلام» على المدينة،
فإنه قد أمر الناس بأن يرجعوا إلى علي «عليه السلام» في الأمور
المشكلة، حيث قال لهم:
«وهذا علي بن أبي طالب
«رضي الله
عنه»
بالمدينة، فانظروا إذا حزبكم أمر عليكم به، واحتكموا إليه في أموركم..»([6]).
فلو كان قد ولاه عليهم، فإنهم سيرجعون إليه في جميع
أمورهم.. وأما الأمور التي تنزل بهم، فإن والي المدينة سوف يتصدى لها
بصورة طبيعية، وهذا من أوليات ما يطلب منه، ويجب عليه مواجهته بالحلول
الناجعة، والعلاجات الصحيحة، فإن أشكل عليه الأمر، فإنه يستعين بعلي
«عليه السلام» أو بغيره..
فما أمرهم به عمر تجاه علي «عليه السلام» لا يتنافى مع
تولية عثمان على المدينة.. وقد كان علي «عليه السلام» حلّال المشاكل
لهم جميعاً.. كما يعلم بالمراجعة.
5 ـ
لقد رفض علي «عليه السلام» طلب عمر بأن يتولى حرب الفرس
كما ذكره البلاذري والمسعودي([7]).
وقد نصح عمر أبا بكر بأن يصرف النظر عن الطلب من علي
«عليه السلام» بأن يتولى قتال الأشعث بن قيس، لأنه يتوقع أن يرفض «عليه
السلام» طلبه([8]).
6 ـ
إن عمر قد شكى إلى ابن عباس في الشام علياً «عليه
السلام»، فقال: «أشكو إليك ابن عمك، سألته أن يخرج معي فلم يفعل»([9]).
7 ـ
حتى لو فرضنا جدلاً أن عمر قد ولَّى علياً «عليه السلام» على المدينة،
فذلك لا يدلُّ
على محبة عمر لعلي «عليه السلام»، إذ لعل عمر رأى أن من مصلحته أن يرى
الناس علياً «عليه السلام» والياً من قبله، فإن ذلك لصالحه، حيث يمكن
ادعاء أنه يمثل اعترافاً من علي «عليه السلام» بشرعية خلافة عمر، ولعل
ذلك من أهم ما كان يسعى عمر إلى تحقيقه في حياته.
8 ـ
من الذي قال: إن تولية علي «عليه السلام» على المدينة سوف تنتهي
بإستخلافه لو أن مكروهاً أصاب عمر بن الخطاب.. فلعل عمر سيبادر إلى وضع
صيغة الشورى التي يستحيل أن تأتي بعلي «عليه السلام» إلى الخلافة..
تماماً كما فعل حين طعنه أبو لؤلؤة..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..
([1])
البداية والنهاية، (7/57).
([2])
تاريخ الأمم والملوك ج3 ص608 (وط مؤسسة الأعلمي) ج6 ص104
وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج8 ص298 وكنز العمال ج13 ص517
وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص372 والكامل في التاريخ ج2 ص500
والبداية والنهاية ج7 ص65.
([3])
تاريخ اليعقوبي (ط سنة 1394 هـ) ج2 ص135 و (ط دار صادر) ج2
ص147.
([4])
راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص85 ومصباح البلاغة (مستدرك
نهج البلاغة) ج4 ص175 والغارات للثقفي ج1 ص308 وج2 ص570 و 767
والمسترشد ص416 وكتاب الأربعين للشيرازي ص172 و 186 وبحار
الأنوار ج29 ص605 وج33 ص569 والمراجعات ص390 والنص والإجتهاد
ص444 ونهج السعادة ج6 ص327 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي = = ج4
ص103 وج6 ص96 وج9 ص305 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1
ص134 و (تحقيق الشيري) ج1 ص176.
([5])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص30.
([6])
الفتوح لابن أعثم ج1 ص293 و (ط دار الأضواء) ج1 ص225.
([7])
مروج الذهب ج2 ص309 و 310 وفتوح البلدان ص313.
([8])
الفتوح لابن أعثم ج1 ص72
و (ط
دار الأضواء) ج1 ص57.
([9])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج12 ص78 وبحار الأنوار ج29 ص638 وج30
ص554 وغاية المرام ج6 ص93 والتحفة العسجدية ص146 و 147.
|