صفحة : 30   

البلوغ شرط الإمامة..

السؤال رقم 46:

يزعم الشيعة: أن من شروط الإمام: التكليف، وهو البلوغ والعقل، والثابت أن إمامهم الغائب المسمى محمد العسكري ثبتت إمامته وهو ابن خمس أو ثلاث سنين من خلال توقيعاته، فلماذا استبعد هذا الشرط وقيل بإمامته؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

لم يشترط أحد البلوغ في الإمامة:

أولاً: لم يقل أحد في اشتراط البلوغ بالإمامة، ولا بالنبوة.. بل قالوا: يشترط البلوغ في التكليف، وفي صلاة الجماعة بالنسبة لسائر الناس.

ثانياً: هناك آيات تدلُّنا على أن لبعض الناس خصوصية، تجعل لهم أحكاماً خاصة بهم، فمثلاً يقول الله سبحانه عن نبي الله يحيى بن زكريا: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً﴾([1]).

ويقول سبحانه عن مريم لما ولدت عيسى«عليه السلام»: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً، يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً، فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً﴾([2]).

وروي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: كنت نبياً وآدم بين الماء والجسد، أو بين الماء والطين([3]).

وذلك كله يدلُّ: على أن عيسى، ويحيى «عليهما السلام» ونبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله»، كانوا في أتم الأحوال، وأعلى درجات الفهم والعقل والكمال، حتى استحقوا هذه المراتب العظمى وهم بهذه السن، بل منذ الولادة.. بل وقبل ذلك أيضاً..

وإذا كانت الإمامة منحة إلهية، تستند إلى استعدادات عالية، وملكات رفيعة، وتربية وصناعة إلهية على قاعدة: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾([4])، وليست أمراً عادياً، ولا اختياراً بشرياً.. فإن لمن يختارهم الله سبحانه خصوصيات في فهمهم ووعيهم، وفي كثير من شؤونهم، فلا ينبغي استبعاد أن يكون تكليفهم يختلف عن تكليف غيرهم، وأن يكون من خصوصياتهم إعطاؤهم مقام الإمامة في سن مبكرة، تماماً كما كان الحال بالنسبة لعيسى ويحيى «عليهما السلام»، وغيرهما ممن اختارهم الله قادة وسادة، وهداة، وأسوة، وقدوة لعباده..

متى كان تحديد البلوغ؟!:

لقد رأينا أن غير واحد قالوا: إن البلوغ قد حدَّد بعد الهجرة إلى المدينة في قضية رد ابن عمر، وقبوله في الغزو، أما قبل ذلك، فكان التمييز والإدراك هو المعتمد في البلوغ، وعليه يدور مدار التكليف([5]).

ويشهد لذلك: أن علياً «عليه السلام» قد أسلم، وهو ابن عشر سنين، وكان ذلك يحرج بعض الناس الذين يحبون أن تكون فضيلة السبق إلى الإسلام لغيره «عليه السلام»، فخرجوا علينا بمقولة: أن علياً «عليه السلام» أول من أسلم من الصبيان، وأبو بكر أول من أسلم من الرجال، وخديجة أول من أسلم من النساء.. الخ..([6]).

وهو كلام فارغ، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد جعل أولية علي «عليه السلام» في الإسلام من فضائل علي «عليه السلام»، وقد قال ذلك لفاطمة «عليها السلام» حين زوجها إياه([7]).

وأما افتخاره هو «عليه السلام» بهذا الأمر فحدّث ولا حرج، وعبارة: أول أمتي سلماً، أو أول الأمة إسلاماً، أو أول رجل أسلم([8]) يدحض كل شبهة تثار حول هذا الأمر..

بل قد صرح هو «عليه السلام» ـ مفتخراً بذلك ـ: أنه أسلم قبل أن يسلم أبو بكر([9])، وبأنه قد صلى قبل الناس سبع سنين([10])، ولم يقل له أحد: كنت آنئذ صبياً، ولم تكن بالغاً أو عاقلاً..

بماذا يتحقق البلوغ؟!:

بالنسبة للبلوغ نقول:

إن البلوغ للرجال بالإحتلام، وبنبات الشعر على العانة.. وهذان ليس لهما سن محدَّد. ويذكرون: أن الذين قتلوا من سبي بني قريظة قد نُظِرَ منهم إلى إنبات العانة.

وقد ذكروا: أن عمرو بن العاص كان يكبر ولده عبد الله باثنتي عشرة سنة فقط([11]).

وقالوا أيضاً: إن الراشد بالله قد وطأ جارية، وهو ابن تسع سنين، فحملت منه([12]).

ويذكر عن بعض النساء: أنهن قد حملن في سن الطفولة المبكرة جداً.

رابعاً: ونذكر السائل أخيراً بأن هذا الأمر ـ أعني صغر السن ـ لا ينحصر بالإمام المهدي «عليه السلام»، فقد تولى الإمام الجواد، والإمام الهادي «عليهما السلام» مهمات الإمامة في سن مبكرة أيضاً..

كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد قرّر إمامة الحسنين «عليهما السلام»، وكان عمرهما حين وفاته «صلى الله عليه وآله» ست أو سبع سنين. حيث قال: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»([13]). ولم يقل: متى بدأت، أو متى تبدأ إمامتهما. فدلَّ ذلك على أنها تبدأ ـ على الأقل ـ من حين إنشائه لمقام الإمامة لهما..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..


 

([1]) الآية 12 من سورة مريم.

([2]) الآيات 27 ـ 31 من سورة مريم.

([3]) راجع المصادر التالية: الإحتجاج للطبرسي ج2 ص248 والفضائل لابن شاذان ص34 وبحار الأنوار ج15 ص353 وج50 ص82 والغدير ج7 ص38 وج9 ص287 ومسند أحمد ج4 ص66 وج5 ص59 و 379 وسنن الترمذي ج5 ص245 والمستدرك للحاكم ج2 ص609 ومجمع الزوائد ج8 ص223 وتحفة الأحوذي ج7 ص111 وج10 ص56 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص438 والآحاد والمثاني ج5 ص347 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص179 والمعجم الأوسط ج4 ص272 والمعجم الكبير ج12 ص73 وج20 ص353 والجامع الصغير ج2 ص296 وكنز العمال ج11 ص409 و 450 وتذكرة الموضوعات = = للفتني ص86 وكشف الخفاء ج2 ص129 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص264 عن ابن سعد، ومستدرك سفينة البحار ج2 ص392 و 522 عن كتاب النكاح، وعن فيض القدير ج5 ص69 وعن الدر المنثور ج5 ص184 وفتح القدير ج4 ص267 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص148 وج7 ص59 والتاريخ الكبير للبخاري ج7 ص274 وضعفاء العقيلي ج4 ص300 والكامل لابن عدي ج4 ص169 وج7 ص37 وعن أسد الغابة ج3 ص132 وج4 ص426 وج5 ص377 وتهذيب الكمال ج14 ص360 وسير أعلام النبلاء ج7 ص384 وج11 ص110 وج13 ص451 ومن له رواية في مسند أحمد ص428 وتهذيب التهذيب ج5 ص148 وعن الإصابة ج6 ص181 والمنتخب من ذيل المذيل ص66 وتاريخ جرجان ص392 وذكر أخبار إصبهان ج2 ص226 وعن البداية والنهاية ج2 ص275 و 276 و 392 وعن الشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص166 وعن عيون الأثر ج1 ص110 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص288 و 289 و 317 و 318 ودفع الشبه عن الرسول ص120 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص79 و 81 و 83 وج2 ص239 وعن ينابيع المودة ج1 ص45 وج2 ص99 و 261.

([4]) من الآية 39 من سورة طه.

([5]) راجع: إسعاف الراغبين للصبان (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص149 والسيرة الحلبية ج1 ص269 والكنز المدفون ص256 و 257 عن البيهقي، والتمهيد لابن عبد البر ج18 ص88.

([6]) نزهة المجالس ج2 ص147 والبداية والنهاية ج3 ص17 و 26 و 27 والسيرة الحلبية ج1 ص275 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص 90 وراجع: سنن الترمذي ج5 ص306 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص63 وراجع: كتاب الأوائل للطبراني ص82 وتفسير الثعلبي ج5 ص85.

([7]) راجع: المناقب للخوارزمي ص106 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص148 و 374 والغدير للشيخ الأميني ج2 ص44 ج3 ص954 و 220 وج9 ص394 والذرية الطاهرة النبوية للدولابي ص93 و 144 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص257 وج13 ص227 و 233 وكنز العمال ج11 ص605 وج13 ص114 و 135 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص276 و 279 و 290 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص50 والعثمانية للجاحظ ص289 و 294 وفضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» لابن عقدة الكوفي ص24 و 102 = = وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص98 وشرح الأخبار ج2 ص360 وكنز الفوائد للكراجكي ص121 وبحار الأنوار ج38 ص19 وج43 ص136 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص151 و 152 و 155 وج15 ص325 و 338 و 339 و 340 و 410 وج20 ص271 وج22 ص142 و 153 و 186 و 256 و 359 و 360 وج23 ص526 و 529 و 537 و 611 و 614 وج31 ص268 وج32 ص46 و 211 وج33 ص324 و 326 و 327. ودفع الإرتياب عن حديث الباب ص16 وفتح الملك العلى للمغربي ص67 و 68 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص132 وأسد الغابة لابن الأثير ج5 ص520 وغاية المرام للبحراني ج5 ص179.

([8]) راجع على سبيل المثال: سيرة ابن إسحاق ص138 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص275 و 290 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص7 و ص50 والعثمانية للجاحظ ص294 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص167 و 168 وج13 ص233 وغاية المرام ج2 ص67 و 68 وج6 ص8 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص91 والسيرة الحلبية ج1 ص268 و 275 ومناقب المغازلي، ومناقب الخوارزمي ص18 ـ 20 والغدير ج3 ص220 ـ 236 وج10 ص168 و 29 و 322 وج9 ص392 تجـد  =     = الكثير من التصريحات بذلك، وكذا في تاريخ بغداد ج4 ص233 وحلية الأولياء ج1 ص66 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص407.

([9]) راجع: المعارف لابن قتيبة (ط دار المعارف) ص169 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص122 وج13 ص200 و 228 و 240 والعثمانية (دار الكتاب العربي ـ مصر، وتحقيق: عبد السلام محمد هارون) ص290 والبداية والنهاية (دار إحياء التراث العربي) ج7 ص370 والآحاد والمثاني ج1 ص151 والكامل لابن عدي ج3 ص274 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص33 وتهذيب الكمال ج12 ص18 وأنساب الأشراف للبلاذري ص146 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص9 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص38 وينابيع المودة ج2 ص146.

([10]) سنن ابن ماجة ج1 ص44 والمستدرك للحاكم ج3 ص112 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص498 والآحاد والمثاني ج1 ص148 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص584 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص107 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص46 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص30 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص122 وتذكرة الموضوعات للفتني ص96 وتفسير = = الثعلبي ج5 ص85 وتهذيب الكمال ج22 ص514 وميزان الاعتدال ج3 ص102 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص431 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص70 وينابيع المودة ج1 ص189 و 193 و 455 وج2 ص148 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص209 و 213 عن فضائل الصحابة لابن حنبل، وسنن المصطفى لابن ماجة (ط الغازية ـ مصر) ج1 ص57 والرياض النضرة (ط محمد أمين الخانجي بمصر) ج2 ص155.

([11]) المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص125 و (ط دار المعارف) ص286 والمستدرك للحاكم ج3 ص526 وفتح الباري ج5 ص203 وعمدة القاري ج1 ص131 وج13 ص240 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص957 = =وأسد الغابة ج3 ص233 والإصابة ج4 ص166 وتهذيب التهذيب ج5 ص294 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص236 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص208 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص167 وج5 ص5 والتعديل والتجريح للباجي ج2 ص898 وتاريخ مدينة دمشق ج31 ص242 و 244 و 249 وقال ابن حبان في كتابه الثقات ج3 ص211 ومشاهير علماء الأمصار ص93: بينه وبين أبيه ثلاثة عشر سنة.

([12]) السيرة الحلبية ج1 ص269 و (ط دار المعرفة) ج1 ص434 وتاريخ الإسلام للذهبي ج36 ص301.

([13]) راجع: مجمع البيان ج2 ص452 و 453 و 311 وغنية النزوع للحلبي ص299 والسرائر لابن إدريس ج3 ص157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص404 والإرشاد للمفيد ج2 ص30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص303 والمسائل الجارودية للمفيد ص35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص48 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص141 و 368 وبحار الأنوار ج16 ص307 وجوامع الجامع للطبرسي ج3 ص70 وإعلام الورى ج1 ص407. وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج26 ص48 عن ابن كرامة البيهقي في كتابه الرسالة في نصيحة العامة (النسخة مصورة في مكتبة امبروزيانا بإيطاليا) ص18. ونقل المرعشي في ج19 ص217 عن الأستاذ توفيق أبو علم في «أهل البيت» (ط مطبعة السعادة بالقاهرة) ص195: وقد تواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ولداي هذان إمامان قاما أو قعدا، وهما ريحانتاي من الدنيا.

 
   
 
 

موقع الميزان