صفحة : 153  

إذا كانت طاعة الرسول تكفي، فلا حاجة إلى الإمام..

السؤال رقم 63:

إنّ الإيمان بِكوْن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين يحصل به مقصود الإمامة في حياته وبعد مماته، فمن ثبت عنده أنّ محمداً عليه الصلاة والسلام رسول الله، وأنّ طاعته واجبة، واجتهد في طاعته بحسب الإمكان، إن قيل بأنه يدخل الجنة استغنى عن مسألة الإمامة، ولم يلزمه طاعة سوى الرسول عليه الصلاة والسلام.

وإن قيل: لا يدخل الجنة إلا باتباعه الإمام كان هذا خلاف نصوص القرآن الكريم، فإنه سبحانه وتعالى أوجب الجنة لمن أطاع الله ورسوله في غير موضع من القرآن، ولم يعلق دخول الجنة بطاعة إمام أو إيمان به أصلاً؛ كمثل قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً [النساء:69].

وقوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [النساء:13].

فلو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر، أو هي أعظم أركان الدين التي لا يقبل الله عمل العبد إلا بها كما تقول الشيعة، لذكر الله عز وجل الإمامة في تلك الآيات وأكّد عليها؛ لعلمه بحصول الخلاف فيها بعد ذلك.

ولا أظن أحداً سيأتي ليقول لنا: بأنّ الإمامة في الآيات مذكورة ضمناً تحت طاعة الله وطاعة الرسول؛ لأنّ في هذا تعسفاً في التفسير.

بل يكفي بياناً لبطلان ذلك أن نقول بأنّ طاعة الرسول في حد ذاتها هي طاعة للرب الذي أرسله، غير أنّ الله عز وجل لم يذكر طاعته وحده سبحانه، ويجعل طاعة الرسول مندرجة تحت طاعته، بل أفردها لكي يؤكد على ركنين مهمين في عقيدة الإسلام (طاعة الله، وطاعة الرسول).

وإنما وجب ذكر طاعة الرسول بعد طاعة الله كشرط لدخول الجنة، لأنّ الرسول مبلّغ عن الله، ولأن طاعته طاعة لمن أرسله أيضاً.

ولمّا لم يثبت لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جانب التبليغ عن الله، فإنّ الله عز وجل علّق الفلاح والفوز بالجنان بطاعة رسوله، والتزام أمره دون أمر الآخرين.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله.. وبعد..

أين هي طاعة الإمام في القرآن؟!:

ذكرتم قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً([1]).

وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ([2]).

وقلتم: إن من أطاع الله ورسوله دخل الجنة، ويستغني بذلك عن مسألة الإمامة، ولم يلزمه طاعة ما سوى الرسول «صلى الله عليه وآله».

وإن قيل: لا يدخل الجنة إلا باتباع الإمام، فهو مخالف للآيات القرآنية المذكورة.

ونجيب بما يلي:

أولاً: إن ما يقوله الشيعة ليس مخالفاً لقولكم هذا، غير أنهم يقولون: إن النبي «صلى الله عليه وآله» بأمر من الله هو الذي جعل علياً إماماً وخليفة من بعده، وجعل بعده اثني عشر إماماً، آخرهم المهدي «عليهم الصلاة والسلام».

ويقولون أيضاً: إن صحيحي البخاري ومسلم ذكرا: بأنه «صلى الله عليه وآله» قد صرح: بأنه يكون من بعده اثنا عشر إماماً، أولهم علي وآخرهم المهدي.

ويقولون كذلك: إن آية: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين([3]). قد نزلت بهذا الخصوص، ولذلك أخذ البيعة من الصحابة لعلي في يوم الغدير بعد حجة الوداع، وذلك في الثامن عشر من ذي الحجة.. أي قبل استشهاده «صلى الله عليه وآله» بسبعين يوماً. فأنزل بعد هذا التنصيب قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً([4]).

ويقولون: إن هذا مروي في كتب أهل السنة أنفسهم بطرق كثيرة.

كما أن أهل السنة قد رووا في كتبهم: أن الذي آتى الزكاة وهو راكع هو علي بن أبي طالب، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ([5]).

بالإضافة إلى آيات كثيرة أخرى روى أهل السنة، فضلاً عن الشيعة: أنها نزلت في علي «عليه السلام»، وقد بينوا أنها كلها تدلُّ على جعل الولاية لعلي «عليه السلام» بعد وفاة الرسول الكريم «صلى الله عليه وآله».

هذا عدا عن عشرات أو مئات النصوص الأخرى الدالة على ذلك..

فظهر: أن إمامة علي وأحد عشر من ولده «عليهم السلام» مما أمر الله ورسوله به، ولا بد من الطاعة والقبول لهذه الأوامر الإلهية والنبوية كما قررته الآية التي ذكرتموها ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ([6]).

لم تُذكر الإمامة في القرآن:

ثانياً: قلتم: لو كانت الإمامة أصلاً للإيمان أو الكفر، أو أعظم أركان الدين، ولا تُقبل الأعمال إلا بها لذُكِرَتْ في القرآن.

ونقول:

ألف: قد ظهر الجواب على قولكم هذا مما تقدم، فإن الشيعة يقولون: إن الإمامة قد ذكرت في القرآن. وذكرها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأخذ البيعة للإمام من بعده في يوم الغدير، ويوم إنذاره عشيرته الأقربين، وهناك آيات وروايات كثيرة أخرى تدلُّ على الإمامة.

ب: لسنا نحن الذين نقرر ما الذي يذكره الله في كتابه صراحةً، وما الذي يذكره ضمناً. بل هو تعالى الفعال لما يشاء، وهو العالم بما يصلح عباده، وبالأصلح لهم. وهو من يقرر أن يذكر أو أن لا يذكر هذا أو ذاك، وهو الذي يختار الأسلوب والكيفية والطريقة..

ج: مع أن الصلاة عمود الدين، فإنه لم يبين عددها، ولا عدد ركعاتها، ولكنه بيَّن كيفية الوضوء لها. مع أنه بيَّن أيضاً أوقاتها، وأوقات استئذان الولد على أبويه، وأمر الناس بأن يعتزلوا النساء في المحيض. وذكر آية كتابة الدَين، وهي أطول آية في القرآن بالرغم من أن تلك الأمور ليست لها أهمية كأهمية الصلاة، كما أن كتابة الدين ليست واجبة.

هذا عدا عن أنه تعالى قد فرض الزكاة، ولم يبين أنصبتها، ومواضعها، وفرض الحج ولم يبين الكثير من أحكامه، وغير ذلك. وإنما أوكل بيان ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأمر المسلمين بالرجوع إلىه لأخذ أحكام وتفاصيل كل ذلك منه، وأمرهم بالرد إليه في كل ما يمكن أن يتنازعوا فيه.

وهذا أمر تنازعوا فيه، حتى لقد قال الشهرستاني: «وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة.. إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان»([7]). فلا بد من الرجوع فيه إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» لمعرفة حكمه.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

 

([1]) الآية 69 من سورة النساء.

([2]) من الآية 17 من سورة الفتح.

([3]) الآية 67 من سورة المائدة.

([4]) الآية 3 من سورة المائدة.

([5]) الآية 55 من سورة المائدة.

([6]) الآية 36 من سورة الأحزاب.

([7]) الملل والنحل ج1 ص24.

 
   
 
 

موقع الميزان