حكم من لم يسمع الولاية من النبي
صلى الله عليه وآله
..
كان فى عهد النبى صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أناس
يرونه مرة واحدة ثم يذهبون لديارهم، فلم يسمعوا ـ بلا شك ـ عن ولاية
علي بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده «رضي الله عنهم» جميعاً. خاصة وأن
الشيعة تزعم أن أمر الولاية قد حدث في أوائل الدعوة في مكة محتجين
بحديث الدار. فهل إسلامهم ناقص؟!
إن قلتم:
نعم.
نقول:
لو كان كذلك لكان النبي ﷺ أولى الناس بتصحيح إسلامهم،
وتبيين أمر الإمامة لهم. ولم نجده فعل ذلك ﷺ.
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أرسل في آخر سني
حياته إلى مختلف البلاد والقبائل من ينادي فيهم ويدعوهم إلى الحج في
حجة الوداع، وقد استجاب له عشرات الألوف منهم، حتى إن الذين حضروا بيعة
الغدير، وبايعوا علياً «عليه السلام» قد بلغوا أكثر من مئة وعشرين أو
مئة وثلاثين ألفاً حسب الروايات..
ومعنى هذا:
أن الناس قد جاؤوا إلى الحج من كل قبيلة، ومن كل حي، وربما من كل بيت
أحياناً، ورأوا وسمعوا من النبي «صلى الله عليه وآله» وبايعوا في يوم
الغدير.
وسمعوا النبي «صلى الله عليه وآله» أيضاً يخطب في منى
وعرفات، ويذكر لهم حديث الثقلين، وأنه تارك فيهم كتاب الله وعترتة أهل
بيته.
ورأوا كيف أن قريشاً وحزبها صاروا يقومون ويقعدون، وضج
الناس وعلا صراخهم، حتى لم يعد أحد يسمع كلام النبي «صلى الله عليه
وآله»، وهو يقول لهم: يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش. كما رواه
مسلم وأحمد بن حنبل وغيرهما..
ثم عاد الناس إلى أهلهم من حجهم ذاك الذي رأوا فيه هذه
الغرائب والعجائب التي عامل بها الصحابة نبيهم، وحدثوا الناس بما سمعوا
ورأوا. وبلَّغ الشاهد الغائب، كما طلب رسول الله «صلى الله عليه
وآله».. وتمت بذلك الحجة على جميع المسلمين، ولم يكن هناك وسيلة إبلاغ
أفضل وأتم من هذه الوسيلة.
وأصبحت المسؤولية بذلك على عاتق الناس. فإن سلَّم الناس
وقبلوا ما أمر به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فازوا وسعدوا
بطاعتهم، وإن عصوا ورفضوا، فسيحاسبهم الله تعالى على معصيتهم..
وبذلك يظهر:
أن من أندر النادر أن يبقى أحد لم يبلغه قرار الرسول الأعظم «صلى الله
عليه وآله»، وأمره.. ولو فرض أن بقي أحد على جهله بما جرى، فإنه يكون
معذوراً عند الله تعالى إلى أن يعلم.. ولا بد أن يكون قد علم بعد أن
جرى ما جرى بعد وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وتداول الناس ما
حدث، وصاروا يميزون المحق من المبطل، والمعتدي من المعتدى عليه.
إن الإشكال الذي ذكره السائل لو صح فهو ينسحب على جميع
حقائق الدين، إذ إن الناس كانوا يأتون إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله» فيسلمون على يديه، ثم يعودون إلى قبائلهم، ولعل بعضهم لم تسنح له
الفرصة للعودة إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ليسأله عما نزل من
القرآن، وما أبلغه النبي «صلى الله عليه وآله» من أحكام، وسياسات،
ومفاهيم، وما صدر منه من توجيهات. فهل إسلام هؤلاء كان ناقصاً؟! وكيف
تممه رسول الله «صلى الله عليه وآله» لهم؟!
إن قلتم:
نعم بقي إسلامهم ناقص. نقول: لو كان كذلك لكان النبي
«صلى الله عليه وآله» أولى الناس بتصحيح إسلامهم، ولم نجده «صلى الله
عليه وآله» فعل ذلك.
وإن قلتم:
إسلامهم تام مع وجود هذا النقص في معارفهم. قلنا: أن ما
نزل من القرآن بعد عودتهم إلى بلادهم، وما أبلغ من أحكام في حال غيبتهم
لم يكن جزءاً من الدين.. وكان يمكن الاستغناء عنه. وهذا ما لا يجوز أن
يصدر عن مسلم..
فما تجيبون به على هذا نجيبكم به فيما يرتبط بولاية علي
بن أبي طالب وأبنائه وأحفاده «عليهم الصلاة والسلام».
إذا كان الأشاعرة يعدون خلافة الخلفاء، وتفاضلهم حسب
تتاليهم في الخلافة من قضايا الإيمان. فلا بد أن يكون «صلى الله عليه
وآله» قد بينه للناس. فما هو حال البعيدين عن المدينة الذين ربما كان
أكثرهم لا يعرف هذا الفضل، وهذه المراتب للخلفاء، فهل كان إيمانهم
ناقصاً؟!
إن من يأتي إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ويُسْلِم
على يديه يقدم التزاماً ضمنياً وإجمالياً بأنه مؤمن بكل ما أتى ويأتي
به. وبعد عودته إلى بلده، فإن حصول بيعة يوم الغدير، ونزول آيات
قرآنية، وإبلاغ أحكام شرعية، وصدور قرارات وتوجيهات نبوية لا يضر
بإيمان من آمن، لأنهم مقرون بكل ذلك على سبيل الإجمال، وإن جاءت
معرفتهم التفصيلية به متأخرة، حيث إنهم كانوا يترصدون أخبارها،
ويتتبعون آثارها، فقد تصل إليهم بعد وفاته «صلى الله عليه وآله».
أما الذين يموتون قبل إبلاغ إمامة علي «عليه السلام» أو
قبل معرفتهم بها، أو قبل نزول بقية القرآن والأحكام، فهم معذورون في
جهلهم، مرضي إسلامهم عند الله تعالى.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله.. |