لو كان أبو بكر منافقاً فلماذا هاجر؟!
ما الذي أجبر أبا بكر «رضي الله عنه» على مرافقة
النبي «عليه الصلاة والسلام» في هجرته؟!
فلو كان منافقاً ـ كما يقول الشيعة ـ فلماذا يهرب
من قومه الكفار وهم المسيطرون ولهم العزة في
مكة؟! وإن كان نفاقه لمصلحة دنيوية، فأي مصلحة كان يرجوها مع النبي
تلك الساعة، والنبي صلى الله عليه وسلم
وحيد طريد؟! مع أنه قد يتعرض للقتل من الكفار الذين
لن يصدقوه!
وفي صياغة أخرى:
ما الذي دفع الصديق للمخاطرة والهجرة مع إمام
المرسلين «صلى الله عليه وآله»، ولم يبق آمناً مع كفار قريش الذين
رصدوا لقتله المكافآت المالية؟!
ألم يكن في غنى عن ذلك؟!
فإن قيل:
هاجر لمصالح دنيوية..
قلنا له:
وأي مصالح لرجل يترك أهله وأقاربه ويتعرض للقتل هو وصاحبه؟! وكيف
يصاحب رسول الله «صلى الله عليه وآله» رجلاً منافقاً في هجرته؟!
أليس منكم رجل رشيد؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده
الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين..
وبعد..
أولاً:
إن الشيعة الإمامية إنما يقولون: إن أبا بكر قد خالف ما قرَّره
الله ورسوله في أمر الخلافة، فإنها كانت لعلي «عليه السلام» بمقتضى
النصوص الواردة فيها في القرآن وعلى لسان النبي «صلى الله عليه
وآله»، وقد بايعه الصحابة يوم الغدير.. ثم خالفوا بيعتهم.
وأما وصف أبي بكر وغيره:
بأنه منافق، فلا تجده في كتب عقائد الشيعة، وإنما تؤخذ عقائد
الشيعة من كتب العقائد التي يقررها عامة علمائها. فلا معنى لطرح
هذا السؤال..
ثانياً:
بالنسبة لرصد المكافآت لقتل أبي بكر، فهو كلام نقله بعض الرواة،
ويحتاج إلى بحث وتمحيص.. وهو لا يدل على أن أبا بكر لم يأخذ
الخلافة من صاحبها الشرعي بغير حق..
وهو ـ إن صح ـ يدل على حقد قريش عليه في تلك الفترة
التي سبقت أخذ الخلافة من علي «عليه السلام» بعشر سنوات.. ولا شك
في أن أموراً قد استجدت في هذه الفترة أوجبت رجوع المياه إلى
مجاريها، ومكنت أبا بكر من أن يقدم على هذه المخالفة في أمر
الخلافة..
ثالثاً:
بعد استثناء أبي بكر وإخراجه عن مجال البحث والنقاش نقول:
إن قول السائل:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» لا يصاحب رجلاً
منافقاً.. جوابه:
ألف:
إن الإنسان يرافق في سفره كل الناس بما فيهم العالم والجاهل،
والكبير والصغير، والغني والفقير، ومن كل دين وكل طائفة إلا إن كان
يخشى من سطوته حين الغفلة، ولم يكن النبي «صلى الله عليه وآله»
يخشى ذلك من أبي بكر، بل كان «صلى الله عليه وآله» يريد أن يحسن
لأبي بكر باصطحابه معه.
ب:
قد كان في أصحاب النبي «صلى الله عليه وآله» الذين يسافرون معه،
المخلصون وغير المخلصين، وكان يخرج معه بعض المنافقين، والآيات
صريحة بذلك، وقد رافق ابن أبي، وكذلك غيره النبي «صلى الله عليه
وآله» في سفره إلى بدر وغيرها..
ج:
إن أحوال الناس ليست ثابتة على حال، فقد يزهد الإنسان بالدنيا
دهراً، ثم تحلو الدنيا في عينيه، فيرتمي في أحضانها، كما أنه قد
يكون العكس، فيكون من أهل الدنيا برهة من الزمان، ثم يزهد فيها،
ويطلقها، ويخرج من كل ما يملك.. وينصرف إلى التعبد والتبتل.. ولذلك
شواهد كثيرة في حياة الناس على مر التاريخ.
رابعاً:
إننا بعد استثناء أبي بكر عن دائرة البحث والنقاش مرة أخرى نقول:
إن الهجرة قد تكون فراراً بالدين، وقد تكون لغير
ذلك، فقد روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال:
«الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى.. فمن كانت
هجرته إلى الله [ورسوله] فهجرته إلى الله [ورسوله]. ومن كانت هجرته
لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه»([1]).
خامساً:
إن النفاق أمر قلبي ولا يمكن لأحد غير الله، أو من اصطفاه الله
بلطف منه أن يكشف عما في ضمائر الناس، ويطلع على ما في القلوب. إلا
إذا صرح المنافق نفسه بما في قلبه، أو أظهرت تصرفاته نفاقه بشكل
قاطع وصريح يخرجه عن حالة النفاق إلى حالة الإعلان بالكفر. وليس
الأمر كذلك في مورد بحثنا هذا.. فلا معنى لسوق الكلام في هذا
الإتجاه من الأساس.. وخروج بعض الناس عن القواعد لا يصحح نسبة ذلك
إلى طائفتهم كلها، فإن في علماء أهل السنة من هجا الزهراء «عليها
السلام»، بل بقي الأمويون، وأئمة الجماعات في البلاد الإسلامية
يلعنون علياً «عليه السلام» في صلواتهم وعلى منابرهم ألف شهر.
وكان ابن الزبير يفعل ذلك أيضاً بالنسبة لعلي
أيضاً، فهل يصح أن يقال: إن طائفة أهل السنة يعتقدون بصحة لعن علي
والحسن والحسين «عليهم السلام»، وابن عباس وغيرهم.. وبجواز هجاء
الزهراء «عليها السلام».. وما إلى ذلك؟!
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
صحيح البخاري، كتاب الإيمان 41 وكتاب العتق 6 وبدء الوحي 1
ومناقب الأنصار 45 وكتاب النكاح 5 وكتاب الأيمان 23 في
موضعين.. وكتاب الحيل 1 و (ط دار الفكر) ج1 ص20 وج3 ص119 وج6
ص118 وج7 ص231 وصحيح مسلم، كتاب الإمارة 155 و (ط دار الفكر)
ج6 ص48 وسنن أبي داود، كتاب الطلاق 11 و (ط دار الفكر) ج1 ص490
وسنن الترمذي، فضائل الجهاد 16 و (ط دار الفكر) ج3 ص100 وسنن
النسائي، كتاب الطهارة 59 وكتاب الطلاق 24 وكتاب الأيمان 19 و
(ط دار الفكر) ج1 ص58 وج6 ص158 وج7 ص13 وسنن ابن ماجة، كتاب
الزهد 26 و (ط دار الفكر) ج2 ص1413 والسنن الكبرى للبيهقي ج1
ص41 ومسند أحمد ج1 ص25 و 43.