آيات عدالة الصحابة..
لقد أثنى الله عزو جل على الصحابة في أكثر من موضع في
كتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ
وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ،
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي
يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ
فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ
النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
[الأعراف:156ـ157].
وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ
اسْتَجَابُواْ لِلهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ
الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ
عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ
حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾
[آل عمران:172، 173].
وقال تعالى: ﴿هُوَ
الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ
قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
[الأنفال:62، 63].
وقال تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ﴾
[الأنفال: 64].
قال تعالى: ﴿كُنتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ﴾
[آل عمران:110].
وآيات أخرى كثيرة جداً.
والشيعة يقرُّون بإيمان الصحابة في حياة الرسول ﷺ،
لكنهم يزعمون أنهم ارتدُّوا بعد ذلك! فيا لله العجب، كيف اتفق أن
يُجمعَ كل صحابة الرسول ﷺ على الإرتداد بعد موته؟ ولماذا؟
كيف ينصرون النبي ﷺ وقت الشدَّة واللأواء، ويفدونه
بالنفس والنفيس، ثمَّ يرتدون بعد موته دون سبب؟!
إلاَّ أن تقولوا إنَّ ارتدادهم كان بتوليتهم أبي [أبا]
بكر «رضي الله عنه» عليهم، فيقال لكم:
لماذا
يُجمِعُ أصحاب رسول الله ﷺ على بيعة أبي بكر، وماذا كانوا يخشون من أبي
بكر؟ وهل كان أبو بكر «رضي الله عنه» ذا سطوة وسلطان عليهم فيجبرهم على
مبايعته قسراً؟
ثمَّ إنَّ أبا بكر «رضي الله عنه» من بني تيم من قريش،
وقد كانوا من أقل قريش عدداً، وإنما كان الشأن والعدد في قريش لبني
هاشم وبني عبد الدار وبني مخزوم.
فإذا لم يكن قادراً على قسر أصحاب رسول الله ﷺ على
مبايعته، فلماذا يضحي الصحابة رضوان الله عليهم بجهادهم وإيمانهم
ونصرتهم وسابقتهم ودنياهم وأُخراهم لحظِّ غيرهم، وهو أبو بكر «رضي الله
عنه»؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
لا يقول الشيعة عن الصحابة إلا ما قاله الله تعالى في كتابه عن وجود
منافقين ومتخاذلين بين الصحابة، وأن قسماً كبيراً منهم سوف لا يقومون
بما يجب عليهم، وقد قال تعالى عنهم: ﴿وَمَا
مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ
يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي
اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾([1]).
وفي الروايات التي رواها لنا أهل السنة في أصح كتبهم،
وذكرنا حوالي عشرين منها في الجواب على السؤال رقم: 139، يقول «صلى
الله عليه وآله»: إن أصحابه سوف يُمْنَعُون من ورود الحوض، فيقول «صلى
الله عليه وآله»: يا رب أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم
ارتدوا على أعقابهم القهقرى، فلا يبقى منهم إلا مثل همل النعم..
وسنذكر في الفقرات التالية بعض البيان لهذا الأمر،
فانتظر.
وعن
النبي «صلى الله عليه وآله»:
أن في صدور بعضهم أضغاناً على علي وأهل بيته «عليهم السلام» سوف
يخرجونها بعد موته «صلى الله عليه وآله».
ثانياً:
يقول الشيعة: إن معنى هذه الآية المباركة وهذه الروايات الصحيحة ليس هو
الإرتداد عن الإسلام، بل معناها الإرتداد عن الطاعة، وعما أخذوه على
أنفسهم من تنفيذ أوامر الله تعالى، ورسوله «صلى الله عليه وآله» في
حياته وبعد موته..
ثالثاً:
إنهم يقولون: إن طائفة صغيرة جداً من الصحابة هي التي تمردت على أوامر
الرسول في أمر الخلافة، وتابعها فريق من الناس من أجل الحصول على بعض
المنافع الدنيوية من خلال تأييدها من يريد أن
ن يحصل على السلطان.. وسكت فريق
كبير من الصحابة على ذلك إما خوفاً، أو لعدم وجود الوعي الكافي لخطورة
ما يحصل.. أو بغضاً منهم بعلي «عليه السلام» أو لغير ذلك من أسباب..
وقد استعان الطامعون بالخلافة، بقبائل كانت تعيش حول
المدينة هي جهينة ومزينة، وأسلم وغفار حتى تضايقت بهم سكك المدينة،
فلما رآهم عمر أيقن بالنصر([2]).
وهناك طائفة أخرى تضم بني هاشم وكثيرين غيرهم لم يرضوا
بما حصل، ولكن لم يمكنهم فعل شيء، لأن دفعه سيكلف الإسلام والمسلمين
قيمة أكبر مما سيفوت بالسكوت عنه على مضض لأن جيش أبي بكر بقدوم أسلم
وغيرها قد صار كبيراً، وحوصر أصحاب علي «عليه السلام» في بيوتهم..
وقد قال علي «عليه السلام» مشيراً
إلى ذلك:
«وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية
عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى
ربه. فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق
شجاً، أرى تراثي نهباً»([3]).
كما أنه «عليه السلام» يصرح:
بأنه إنما سكت
لأنه رأى الخطر محدقاً، وأن راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، وأنهم
يريدون محق دين محمد «صلى الله
عليه وآله»..
خامساً:
إننا نقول:
إن على الإنسان المسلم أن لا يكون انتقائياً، فيأخذ هذا
ويترك ذاك لهواه، بل يأخذ ما يأخذ ويترك ما يترك استناداً إلى الدليل
الذي يقوم على الأخذ، أو على الترك، ولا يمكن فرض الرأي بالقوة على
أحد، على قاعدة:
ودعوى القوي كدعـوى السبــاع مـن
الـنـاب والـظــفـر بـرهـانها
بل يجب التعامل مع الآخرين على قاعدة: ﴿قُلْ
هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾([4]).
سادساً:
بالنسبة للآيتين اللتين في سورة الأعراف نقول:
ألف:
إنهما إنما تتحدَّثان عن أهل الكتاب، فقد قالت: ﴿النَّبِيَّ
الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ..﴾([5]).
ب:
إنها قالت: ﴿فَالَّذِينَ
آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون﴾([6]).
أي أنها اشترطت لفلاح من يؤمن بهذا الرسول أن يؤمن به، وأن يوقره،
ويعظمه، وينصره بما يتيسر له من أسباب النصر له باليد، والقلم،
واللسان، وأن يتبع النور الذي أنزل معه..
وهذا لا يختص بمن عاش في زمنه «صلى الله عليه وآله»،
فكل من وقره، ونصره بما توفر لديه من قدرات، ووسائل، واتبع النور الذي
أنزل عليه سيكون من أهل الفلاح، والفوز والنجاح، فهذه قاعدة تشمل كل
مسلم ومسلمة إلى يوم القيامة.
ج:
اشترطت الآية الكريمة الإيمان برسول الله «صلى الله
عليه وآله»،
ونحن نعلم: أن الله تعالى قد ذكر أن فريقاً من أهل المدينة وممن حولها
من الأعراب لم يؤمنوا برسول الله «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة،
ولم يكن رسول الله «صلى الله
عليه وآله»
يَعْلَمُهُم، فقد قال تعالى: ﴿وَمِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾([7]).
فكيف نميز نحن هؤلاء عن غيرهم؟!
وهل مات هؤلاء كلهم في عهد رسول الله «صلى الله
عليه وآله»،
أم بقي منهم أحد بعده؟!
وهل الذين بقوا عرفهم الناس وميزوهم، أم بقوا مستورين؟!
ولماذا لم يعرفوهم ولم يميزوهم في عهد النبي، وميزوهم
بعده؟!
أم يعقل أن يكون النبي نفسه «صلى الله عليه وآله» لم
يميزهم؟! وميزهم الناس العاديون؟!
ولعلك تقول:
لقد عهد النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه
السلام»: أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق([8]).
فكيف لا يعرف النبي «صلى الله عليه وآله» المنافقين، وهذه العلامة في
متناول يده؟!
ونجيب:
بأن هذه العلامة (وهي بغض علي «عليه
السلام») معناها:
أنها كلما ظهرت عُلِمَ وجود النفاق في مورد ظهورها..
ولكن قد لا تظهر في بعض الأحيان.
أي أن هذا البغض ملازم للنفاق.. ولكن قد يكون هناك نفاق
من أناس لا يظهرون بغض علي «عليه السلام»، أو من أناس لا يعرفون علياً
«عليه السلام» أصلاً.
وبعبارة أخرى:
كلما ظهر بغض علي «عليه السلام» علم وجود النفاق، وليس كلما وجد النفاق
يظهر بغض علي «عليه السلام».
د:
اشترطت الآية أيضاً: أن ينصر هؤلاء المؤمنون رسول الله «صلى الله
عليه
وآله»،
ونحن نرى: أن ذلك لم يحصل من كثير من الصحابة، حتى لقد أنزل الله تعالى
فيهم قرآناً يؤنبهم فيه، ويقول: ﴿إِلَّا
تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾([9]).
وقال لهم: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا
يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ
وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾([10]).
ولا بأس بمراجعة آيات سورة التوبة من الآية 41 حتى
الآية 68، ومن الآية 73 إلى آخر السورة، وفيها حديث قوي جداً عن الذين
يتخلفون عن نصرة الرسول «صلى الله
عليه وآله»..
هـ:
أما توقير رسول الله «صلى الله
عليه وآله»
فقد تحدَّث الله تعالى عنه في سورة الحجرات، وبيَّن أنهم كانوا ينادونه
من وراء الحجرات، ويجهرون له بالقول كما يجهر بعضهم لبعض، بل لقد اتهمه
بعضهم في مرض موته «صلى الله
عليه وآله»
بأنه يهجر، وهذا لا يصح أن يسمى توقيراً.. وهناك آيات وروايات كثيرة
يمكن الإستشهاد بها على أن هذا التوقير لم يكن حاصلاً من قبل بعض
الصحابة..
سابعاً:
بالنسبة لآية سورة آل عمران نقول:
1 ـ
إنها تحدَّثت عن جماعة صغيرة ومخصوصة من الصحابة، وهم الذين استجابوا
لربهم من بعد ما أصابهم القرح. وليس كل من رآه استجاب له «صلى الله
عليه وآله»..
2 ـ
إنها لم تمدح جميع هؤلاء أيضاً، بل خصت المدح بخصوص طائفة منهم لها
ثلاثة أوصاف هي:
ألف:
إنهم من الذين أحسنوا. أي في أعمالهم.
ب:
إنهم قد اتقوا.
ج:
إنهم: ﴿الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾([11]).
فلا معنى لتعميم مفاد الآية لكل من رأى رسول الله «صلى الله عليه وآله»
مميزاً..
ثامناً:
بالنسبة لآيات سورة الأنفال: الآية 62 و63 و64 نقول:
ألف:
إن الآية صرحت بأنها تتحدَّث عن أناس موصوفين بوصف المؤمنين، ونحن نعلم
إجمالاً أن المنافقين أيضاً كانوا موجودين، ولم يكن النبي «صلى الله
عليه وآله»
يَعْلَمُهُم، وإنما يُعْرَفُ المؤمنون بسلوكهم وبمواقفهم، وأعمالهم
التي تميزهم، وتُظْهِرُ من نصره منهم، ومن أهمته نفسه، وترك رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
هدفاً لسيوف الأعداء في كثير من المواطن.. إذ لا يكفي مجرد ادعائهم
محبته ونصرته، ما لم تصدق أفعالهم أقوالهم..
ب:
إن تأييده «صلى الله
عليه وآله»
بالمؤمنين لا يدلُّ على أن هؤلاء المؤمنين عدول كلهم.. ولا يدلُّ على
أنهم سوف يستمرون على خط الإستقامة إلى آخر عمرهم، فلعل الدنيا تحلو في
عين بعضهم، ويروقهم زبرجها.
تاسعاً:
بالنسبة للآية 110 من سورة آل عمران نقول:
1 ـ
إن هذا النوع من التعابير العامة إنما يلاحظ فيه الحالة العامة للأمة،
وإن كان بعض الأفراد لا يلتزمون بما يطلب منهم، ولا ينقادون لمن يجب
عليهم الإنقياد له..
2 ـ
لا شك في أن الكثيرين ممن عاشوا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما
كانوا يأمرون بالمعروف، أو ينهون عن المنكر، بل كان بعضهم يرتكب
المنكرات، ويترك المعروف.. بل كان بعضهم من المنافقين.
3 ـ
إن سياق الآية يعطي: أنها واردة مورد الحث على فعل هذه الأمور، والتشدد
في الإلتزام بها، لكي يستحقوا أن يكونوا خير أمة أخرجت للناس.. فالآية
ليست إخباراً عن حصول هذا الأمر، بل هي إنشاء أمر لهم بأن يأمروا
بالمعروف وينهوا عن المنكر، ليصبحوا بذلك خير أمة أخرجت للناس.
عاشراً:
إن تَعَجُّب السائل من أن يُجْمِع كل الصحابة على الإرتداد بعد وفاة
الرسول «صلى الله عليه وآله» إنما يرد على آية الإرتداد على الأعقاب،
وعلى أحاديث كتب الصحاح عندهم، فإنها هي التي ذكرت هذا الإرتداد، وليس
الشيعة..
ولكن الشيعة فسَّروا هذا الإرتداد بالإرتداد عن الوفاء
بتعهداتهم، وعن الطاعة.. لا الإرتداد عن الإسلام.
وعلى كل حال،
فإننا نطلب من هذا السائل ومن معه أن يجيبونا عن هذه الآية وعن
الأحاديث بغير هذا الجواب، وإن كان عندهم جواب، فإن وجدنا جوابهم حقاً
وصواباً، وكان مقنعاً، فسنكون لهم من الشاكرين.
حادي عشر:
إن الإرتداد الذي أشارت إليه الآيات والروايات.. وقلنا: إن المراد به
الإرتداد عن الطاعة والوفاء، لم يكن بلا سبب، بل كان سببه حب الرئاسة
والملك، وهم قلة قليلة جداً.
أما الباقون، فإما خالفوهم، أو أنهم لم يجرؤا على
معارضتهم. وإما أنهم طمعوا ببعض حطام الدنيا من خلال مجاراتهم.
ثاني عشر:
لم يجمع الصحابة على بيعة أبي بكر وعمر، بل خالف في ذلك بنو هاشم
وكثيرون غيرهم، ولكن قريشاً التي كانت تسعى للاستئثار بالحكم، ومن
أعانها من الحاقدين على علي «عليه السلام» والطامعين.. فقد أبوا إلا
فرض هذا الأمر بالقوة، وارتكبت وارتكبوا من أجله في حق الزهراء «عليها
السلام» ما ارتكبوا، وهاجموا بيتها، وحاولوا، بل باشروا بإحراقه على من
فيه.. وجرت خطوب كثيرة يعرفها من له أدنى اطلاع في هذا المجال. ووقفت
فئة كبيرة من الصحابة موقف المتفرج واللامبالي، أو موقف من يحب
السلامة.. كما أوضحناه مرات عديدة.
ثالث عشر:
إن أبا بكر لم يكن وحده، ليقال: كيف استطاع أن يجبر الناس على البيعة
له، بل كان أكثر قريش معه، وكان معه غيرها ممن كانوا يحسدون علياً
«عليه السلام»، أو كانوا لا يحبونه لما قد وترهم على الشرك.
أما سائر الناس، فإما عارضوا تصرفهم هذا، أو أنهم لم
يجرؤا على معارضة قريش لحبهم للسلامة، وإيثارهم الإبتعاد عن المشاكل
والمنغِّصات.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
الآية 144 من سورة آل عمران.
([2])
راجع:
تاريخ
الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص458 و 459 و (ط أوروبا)
ج1 ص1843 وبحار الأنوار ج28 ص335 والشـافي في الإمـامـة = =
للشريف المرتضى ج3 ص190 وسفينة النجاة للسرابي التنكابني ص 68.
وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص40 والدرجات الرفيعة ص328
والكامل في التاريخ ج2 ص331.
([3])
نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص31
الخطبة المعروفة بالشقشقية.
([4])
الآية 64 من سورة النمل.
([5])
الآية 157 من سورة الأعراف.
([6])
الآية 157 من سورة الأعراف.
([7])
الآية 101 من سورة التوبة.
([8])
راجع: مسند أحمد ج1 ص95 و 128 وسنن الترمذي ج5 ص306 وسنن
النسائي ج8 ص116 ومجمع الزوائد ج9 ص133 وفتح الباري ج1 ص60 وج7
ص58 وتحفة الأحوذي ج10 ص164 و 274 ومسند الحميدي ج1 ص31 وكتاب
الإيمان لابن يحيى العدني ص80 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص137
وج6 ص534 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص105 ومسند أبي يعلى ج1
ص251 والمعجم الأوسط للطبراني ج2 ص337 وج5 ص87 ومعرفة علوم
الحديث ص180 والفوائد المنتقاة للصوري ص37 و 38 والإستذكار ج8
ص446 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1100 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج4 ص63 وج8 ص17 وج13 ص251 وج18 ص173 و 275 وج20 ص221
وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص598 و 622 وج13 ص178 وكشف
الخفاء ج2 ص382 وفتح الملك العلى ص113 وتفسير السمعاني ج3 ص317
وتفسير البغوي ج4 ص207 والكامل لابن عدي ج4 ص226 وتاريخ بغداد
ج8 ص416 وج14 ص426 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص349 وج42 ص270 و 271
و 272 و 273 و 274 و 275 و 276 و 277 و 279 و 280 و 301 وج51
ص119 وأسد الغابة ج4 ص26 وذيل تاريخ بغداد لابن النجار ج2 ص70
وتذكرة الحفاظ ج1 ص10 وسير أعلام النبلاء ج5 ص189وج6 ص244 وج17
ص169 = = وميزان الإعتدال ج2 ص41 و 453 وج4 ص272 وإكمال تهذيب
الكمال ج2 ص96 والإصابة ج4 ص468 ولسان الميزان ج2 ص446 ومناقب
علي بن أبي طالب لابن مردويه ص115 والعثمانية ص308 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج3 ص634 والوافي بالوفيات ج21 ص179 والبداية
والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص391 والفصول المهمة
لابن الصباغ ج1 ص14 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص295 وج11 ص445
وينابيع المودة ج1 ص149 و 150 و 151.
([9])
الآية 40 من سورة التوبة.
([10])
الآية 38 و 39 من سورة التوبة.
([11])
الآية 173 من سورة آل عمران.
|