صفحة : 47   

علي لم يُكفِّر الخوارج، فلماذا تكفِّرون الصحابة؟!

السؤال رقم 97:

لقد وجدنا علياً «رضي الله عنه» لم يكفر خصومه، حتى الخوارج الذين حاربوه وآذوه وكفروه. فما بال الشيعة لا يقتدون به؟! وهم الذين يكفرون خيرة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل وزوجاته أمهات المؤمنين؟!

وفي صياغة أخرى:

أنَّى للشيعة أن يكفروا صحابة النبي الأخيار، بل وزوجاته أمهات المؤمنين في حين يرفض علي «رضي الله عنه» أن يكفر الخوارج الذين حاربوه وأذوه وقاتلوه وقال عنهم: «هم من الكفر فروا»، فلماذا لا تقتدي الرافضة بإمامهم الأول «رضي الله عنه»، أم إنه الهوى المزعوم واتباع الشيطان الرجيم؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين.. وبعد..

التشنيع على الشيعة:

أولاً: إن الشيعة لا يكفرون الصحابة، ولا زوجات رسول الله «صلى الله عليه وآله» أيضاً نفس ما قاله القرآن في سورة الأحزاب، وفي سورة التحريم، ولا يزيدون على ذلك حرفاً واحداً، وهم يتبعون فيهم نفس ما يقوله الله ورسوله، لا يزيدون حرفاً، ولا ينقصون حرفاً أبداً.

فالقرآن أثنى على قسم كبير منهم، فهم يثنون عليهم بنفس ما أثنى به القرآن، وهو أيضاً قد لام بعضهم على أمور فعلوها، فهم يلومونهم بنفس ما لامهم به..

وذكر أن فيهم بعض المنافقين، لم يكن النبي «صلى الله عليه وآله» يعرف أشخاصهم، ووعده أن يعرِّف بعضهم في لحن القول.. والشيعة يقولون بذلك أيضاً.

إما بالنسبة لزوجات النبي «صلى الله عليه وآله»، فالشيعة يقولون فيهن نفس ما قاله القرآن في سورة الأحزاب، وفي سورة التحريم، لا يزيدون على ذلك حرفاً واحداً ولا ينقصون.

ثانياً: إننا لا نرى أن أهل السنة يخالفون الشيعة فيما يرتبط بالصحابة إلا في شيء واحد، وهو أن أهل السنة يرون أن كل من رأى النبي «صلى الله عليه وآله» مميزاً، مسلماً فقد ثبتت عدالته..

فقال لهم الشيعة: بل الحق أن قسماً من الصحابة مسلمون عدول، وقسم منهم غير عدول، وادعاء عدالة جميعهم يخالف إقراركم بوجود مخالفات من بعضهم استحقوا اللوم الإلهي لأجلها.. ويخالف إقراركم أيضاً بمضمون الآية التي تقول بوجود منافقين يبطنون الكفر ويظهرون الإيمان من أهل المدينة ومن الأعراب الذين كانوا حولها، ولم يكن رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعلمهم، والله يعلمهم.. وقد ذكرهم الله في سورة المنافقون، وفي سورة التوبة، وفي سورة البقرة وغيرها..

والخلاصة: إن الخلاف بين السنة والشيعة إنما هو في خصوص ادعاء أهل السنة عدالة جميع من رأى النبي «صلى الله عليه وآله» مميزاً مسلماً..

ثالثاً: إن أهل السنة قد رووا في صحاحهم أحاديث عن ارتداد الصحابة على أعقابهم القهقرى، فلا يبقى منهم إلا مثل همل النعم. فلماذا يصرُّ أهل السنة على اعتبار العدالة في جميع الصحابة؟!

وهنا أمر يحسن التنبه عليه، وهو: أن الشيعة استدلوا على أهل السنة بهذه الأحاديث، إلزاماً لهم بما ألزموا به أنفسهم، فلم يمكنهم الرد عليهم، فلجأوا إلى اتهام الشيعة بتكفير الصحابة.. وصاروا يحرضون العامة عليهم..

مع أن الاستدلال بشيء على سبيل الإلزام للطرف الآخر بما يلزم نفسه لا يعني أن يكون المستدل معتقداً بمضمون الاستدلال.. فأنت تستدل على اليهودي بما في كتابه.. مع أنك لا تعتقد بصحة كتابه، واليهودي يستدل عليك بما في قرآنك، مع أنه لا يعتقد بصحته..

رابعاً: إن المقصود بروايات الارتداد على الأعقاب القهقرى ليس هو الكفر بالله، أو إنكار نبوة محمد «صلى الله عليه وآله»، أو إنكار الآخرة، أو إنكار سائر الأمور الإعتقادية.. أو الخروج من الدين إلى دين آخر.. بل المقصود ترك ما كانوا عليه من الإنقياد والطاعة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، والدخول في المعاصي، وفي الفتن، وطلب الدنيا إلى حد الاقتتال عليها..

وهذا المعنى هو الذي يقصده الشيعة حين يستدلون بهذه الروايات على أهل السنة..

خامساً: أما بالنسبة لكفر الخوارج، وأنهم من الكفر فروا، فنقول:

هذا الكلام مكذوب على علي «عليه السلام»، لأن الرواية التي أشار إليها السائل تقول: سئل «عليه السلام» بعد قتل الخوارج: من هؤلاء يا أمير المؤمنين، أكفار هم؟!

قال: من الكفر فروا.

قيل: فمنافقون؟!

قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، وهؤلاء يذكرون الله كثيراً.

قيل: فما هم؟!

قال: قوم أصابتهم فتنة، فعموا فيها، وصموا.

وفي نص آخر قال: إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم ببغيهم علينا([1]).

توضيح حول كفر الخوارج:

ونوضح ما نرمي إليه فيما يلي:

1 ـ إن ذكر الله تعالى كثيراً، كما يمكن أن يكون نتيجة إيمان، وإخلاص، ومظهراً لعبادةٍ حقيقية، كذلك قد يكون نتيجة تقمصٍ كاذب لشخصية الإنسان المؤمن..

ولذلك نلاحظ: أن من المنافقين من يتظاهر بالعبادة والصلاة وذكر الله، وقراءة القرآن، وكأنه شغله الشاغل في ليله ونهاره. حتى لقد ورد: إن أحدكم ليحقر صلاته إلى صلاتهم.. كل ذلك من أجل أن يخدع أهل الحق والصدق، ويسقط أطروحتهم ونهجهم، أو لغير ذلك من مقاصد..

2 ـ إن هذا القول يناقض ما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من أن الخوارج يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، سيماهم التحليق، هم شر الخلق والخليقة([2]).

فهل شر الخلق والخليقة ومن يمرق من الدين مروق السهم، لا يكون كافراً ولا منافقاً؟!

ولعل الأقرب إلى الاعتبار: رواية ابن أعثم، ثم حرفها المحرفون، سواء أكانوا من الخوارج، أو من غيرهم، قال ابن أعثم:

«فلم يزل يخرج رجل بعد رجل، من أشد فرسان علي، حتى قتل منهم جماعة، وهم ثمانية. وأقبل التاسع، واسمه حبيب بن عاصم الأزدي، فقال:

يا أمير المؤمنين، هؤلاء الذين نقاتلهم، أكفار هم؟!

فقال علي: من الكفر فروا، وفيه وقعوا.

قال: أفمنافقون؟!

قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً.

قال: فما هم يا أمير المؤمنين، حتى أقاتلهم على بصيرة ويقين؟!

فقال علي: هم قوم مرقوا من دين الإسلام، كما مرق السهم من الرمية، يقرأون القرآن فلا يجاوز تراقيهم. فطوبى لمن قتلهم.

قال: فعندها تقدم حبيب بن عاصم هذا نحو الشراة، وهو التاسع من أصحاب علي، فقاتل حتى قتل.

واشتبك الحرب بين الفريقين، فاقتتلوا قتالاً شديداً. ولم يقتل من أصحاب علي إلا أولئك التسعة..»([3]).

وأما تكفير الشيعة أمهات المؤمنين، فهو أيضاً غير صحيح.. بل هم لا يزيدون فيهن على ما يقوله القرآن كما تقدم.

ويبدو لنا: أن هذا الكلام مجرد ذريعة يراد بها التحريض، وإثارة الفتنة.. والوهابيون هم الذين يكفرون جميع المسلمين إلا من كان وهابياً..([4]). شأنهم في ذلك شأن الخوارج.

وقد أغار محمد بن عبد الوهاب على مسلمي نجد والحجاز واليمن وغيرهم على أساس أنهم كفار وعبَّاد أصنام..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..


 

([1]) راجع: المصنف للصنعاني ج10 ص150 وكنز العمال ج11 ص286 و 276 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص299 عنه، والمغني لابن قدامة ج10 ص51 والإستـذكـار ج2 ص501 والتمهيد لابن عبد البر ج23 ص335 والشرح = = الكبير لابن قدامة ج10 ص52 والبداية والنهاية ج7 ص290 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص321 عن ابن جرير وغيره، والعقود الفضية للحارثي الأباضي ص63 والأشعثيات ص134 وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص73 والأباضية ص73. وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص310 عن ابن ديزيل في صفينه. وراجع: المصنف لابن أبي شيبة ج8 ص743 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص174 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج16 ص323 و 324.

([2]) راجع على سبيل المثال في أمثال هذه العبارات ما يلي: مسند أحمد ج1 ص88 و 92 و 108 و 113 و 131 و 147 و 151 و 156 و 160 و 256 و 404 و 411 و 441 و 435 و 380 و 395 وج2 ص209 و 219 وج3 ص5 و 15 و 32 و 33 و 34 و 38 و 39 و 52 و 56 و 60 و 64 و 65 و 68 و 73 و 159 و 183 و 197 و 224 و 353 و 486 وج4 ص422 و 425 وج5 ص31 و 42 و 146 وراجع: ص253 ومجمع الزوائد ج6 ص228 و 229 و 231 و 27 و 230 و 232 و 235 و 239 وج9 ص129 والمستدرك للحاكم ج2 ص154 و 147 و 148 و 146 و 145 وكشف الأستار عن مسند البزاز ج2 ص360 و 361 و 363 و 364 والجوهرة في نسب علي «عليه السلام» وآله ص109 والمعجم الصغير ج2 ص100 والمصنف للصنعاني ج1 ص146 و 148 و 151 و 154 و 157 وكنز العمال ج11 ص126 و 180 و 127 و 128 و 129 و 130 و 131 و 175 و 182 و 271 و 312 عن مصادر كثيرة، وكفاية الطالب ص175 و 176 وتاريخ بغداد ج12 ص480 وج10 ص305 والعقود الفضية ص66 و 70 والمغازي للواقدي ج3 ص948 والإصابة ج2 ص302. والغدير ج10 ص54 و 55 عن الترمذي ج9 ص37 وسنن البيهقي ج8 ص170 و 171 وتيسير الوصول إلى علم الأصول ج4 ص31 و 32 و = = 33 عن الصحاح الستة كلها وعن أبي داود ج2 ص284 وفرائد السمطين ج1 ص276 ونظم درر السمطين ص116 والإلمام ج1 ص35 والخصائص للنسائي ص136 و 137 حتى ص149 وميزان الاعتدال ج2 ص263 ترجمة عمر بن أبي عائشة، وأسد الغابة ج2 ص140 وتاريخ واسط ص199 والتنبيه والرد ص182 وصحيح البخاري ج2 ص173 وج4 ص48 و 122 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص53 و 57 والجامع الصحيح للترمذي برقم 3896 وصحيح مسلم ج1 ص1063 و 1064 وفي هامش مناقب المغازلي عن الإصابة ج2 ص534 وعن تاريخ الخلفاء ص172 وراجع إثبات الوصية ص147 وذخائر العقبى ص110 والمناقب للخوارزمي ص182 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص400 ونور الأبصار ص102.

وراجع: نزل الأبرار ص57 ـ 61 والرياض النضرة ج3 ص225 وراجع ص226 و 224 والفصول المهمة لابن الصباغ ص94 والبداية والنهاية ج7 ص379 حتى 350 عن مصادر كثيرة، ومن طرق كثيرة جداً، فليراجعه من أراد. وتذكرة الخواص ص104 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص183 وج1 ص201 وج2 ص261 و 266 و 268 و 269 والكامل في التاريخ ج3 ص347. وإن تتبع مصادر هذا الحديث متعذر فنكتفي هنا بهذا القدر.

([3]) الفتوح لابن اعثم ج4 ص127 و 128 و(ط دار الأضواء) ج4 ص272.

([4]) راجع كتاب كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب.

 
   
 
 

موقع الميزان