صفحة : 86   

الشيعة ينصرون الأعداء كالمغول على المسلمين..

السؤال رقم 104:

يحدثنا التاريخ أن الشيعة كانوا مناصرين لأعداء الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين في حوادث كثيرة؛ من أبرزها: سقوط بغداد بيد المغول، وسقوط القدس بيد النصارى..

فهل يفعل المسلم الصادق ما فعلوه، ويخالف الآيات الناهية عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء؟! وهل فعل علي أو أحد من أبنائه وأحفاده «رضي الله عنهم» فعلهم؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإننا نجيب بما يلي:

أولاً: الطوسي في دولة المغول:

متى كان الشيعة مناصرين لليهود والنصارى عبر التاريخ، فإن الشيعة كانوا باستمرار يدافعون عن ثغور الإسلام، ويرابطون في كل تلك الثغور، ودعاء إمامهم الإمام زين العابدين «عليه السلام» لأهل الثغور لم يزل مصدر إلهام لهم للعمل على صيانة حدود دولة الإسلام، مهما كان حكام تلك الدول يكيدون للشيعة، ويمارسون ضدهم أقسى أنواع الإضطهاد والبطش، بدون سبب ظاهر سوى التعصب المقيت، والحقد الذي لا مبرر له..

وقد حدثنا التاريخ: أن وجود نصير الدين الطوسي مع المغول هو الذي حفظ علماء السنة في بغداد، وأنقذهم، وأنقذ التراث الفكري الإسلامي من الهلاك والبوار.

وقد قالوا عنه: «جمع مكتبة عظيمة، ضم إليها ما نهب من الكتب من بغداد»([1]).

والذي يطالع كتب التاريخ يجد أن الدويدار، وغيره من الجهاز الحاكم هم الذين تسبَّبوا بسقوط بغداد، حيث لم يفوا للمغول بتعهداتهم، بل إن الخليفة نفسه، الذي كان ألعوبة بيد الدويدار وغيره قد تحول إلى خليع ماجن، وكان المغول يهاجمون عاصمته، ويحاصرون دار الخلافة، وهو مشغول في قصفه ومجونه، يقول ابن كثير الحنبلي:

«وأحاطت التتار بدار الخلافة، يرشقونها بالنبال من كل جانب، حتى أصيبت جارية كانت تلعب بين يدي الخليفة وتضحكه، وكانت من جملة حظاياه، وكانت مولدة تسمى عرفة، جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة.

فانزعج الخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم.

فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز، وكثرة الستائر على دار الخلافة..»([2]).

إن دخول المحقق الشيخ نصير الدين الطوسي «رحمه الله» مع المغول قد أسهم في حفظ حياة علماء الإسلام، وخصوصاً علماء السنة من أن يتعرضوا للكارثة، وقد نجا بذلك ثلة كبيرة من المفكرين، والفلاسفة، والحكماء، والفقهاء، والعلماء في مختلف الفنون من الإبادة التي كانت تنتظرهم على يد الجيوش الغازية..

كما أن مما لا شك فيه: أن وجود نصير الدين الطوسي «رحمه الله» في موقعه عند ملوكهم قد مهد الطريق لدخول أولئك الملوك، وغيرهم من أتباعهم في الإسلام، وأصبح أحفاد جنكيزخان حماة لهذا الدين، وملوكاً يحكمون باسم الإسلام، ويستظلون بظل راياته..

كما أن نصير الدين الطوسي «رحمه الله» قد أنقذ التراث الإسلامي من أن تحيق به الكارثة، وعمل على حفظه من التلاشي والفناء على أيدي أولئك الغزاة..

وذلك لأن هولاكو كان قد فوض لهذا الرجل أمر أوقاف البلاد، فقام بضبطها وصرفها على المدارس، والمعاهد العلمية، وجمع إليه العلماء، والفلاسفة، والحكماء من مختلف البلاد.. وأقام المرصد الكبير في مراغة بآذربيجان، وأسس مكتبة بجانبه يقال: إنها كانت تحتوي على أربعمائة ألف مجلد..

قال المستشرق روندلسن: «اقترح الطوسي في مراغة على هولاكو: أن القائد المنتصر يجب أن لا يقنع بالتخريب فقط، فأدرك المغولي المغزى، وخوله بناء مرصد عظيم على تل شمال مراغة».

إلى أن قال:

«وجمع مكتبة عظيمة، ضم إليها ما نهب من الكتب في بغداد»([3]).

والذي يلاحظ أسماء العلماء الذين جمعهم الطوسي «رحمه الله» لإنشاء وتسيير مرصد مراغة يجد: أنه لم يأت بخصوص علماء أهل نحلته، بل كان معظمهم من المذاهب الإسلامية المختلفة، ومن مختلف البلاد والأقطار الإسلامية([4]).

وقال بعضهم عن المحقق الطوسي «رحمه الله»: برزت مظاهر عظمته في قدرته على أن يستحوذ بلباقته تدريجياً على عقل هولاكو، وأن يروّض شارب الدماء، فيوجهه إلى إصلاح الأمور الإجتماعية، والثقافية، والفنية. وأن يجعل من هادم الحضارات بانياً، يحتضن الحضارات، وينمي الثقافات.

وانتهى الأمر إلى أن يوفد هولاكو (فخر الدين لقمان بن عبد الله المراغي) إلى البلاد العربية، ليحث العلماء الذين فروا بأنفسهم من العاصفة المغولية، ولجأوا إلى إربل، والموصل، والجزيرة، والشام، ويشوقهم إلى العودة. وأن يدعو علماء تلك البلاد أيضاً إلى الإقامة في مراغة.

وكان فخر الدين هذا رجلاً كيّساً، حسن التدبير، فاستطاع أن ينجز مهمته على أحسن وجه، فعاد العلماء إلى بلادهم.

كما أنه ـ أعني المحقق الطوسي ـ «رحمه الله» قد قرر رواتب لطلاب المدارس والمعاهد بحسب أهميتها.

قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وفيها (أي في سنة سبع وخمسين وستمائة) عمل الخواجة نصير الدين الطوسي الرصد بمدينة مراغة، ونقل إليه شيئاً كثيراً من كتب الأوقاف التي كانت ببغداد، وعمل دار حكمة، ورتب فيها فلاسفة، ورتب لكل واحد في اليوم والليلة ثلاثة دراهم، ودار طب فيها للطبيب في اليوم درهمان، ومدرسة لكل فقيه في اليوم درهم، ودار حديث لكل محدث نصف درهم في اليوم»([5]).

لذلك أقبل الناس على معاهد الفلسفة والطب، أكثر من إقبالهم على معاهد الفقه والحديث. بينما كانت العلوم من قبل تدرس سراً ومن دون أجر..

وقد لقيت دعوة هذا العالم الكبير، المحقق الطوسي «رحمه الله» استجابة كبرى من علماء العرب وغيرهم، فلبوا دعوته، واجتمع هناك علماء من دمشق، والموصل، وقزوين، وتفليس، وسائر البلاد الإسلامية.

وقال مؤيد الدين العرضي: فجمع العلماء إليه، وضم شملهم بوافر عطائه، وكان بهم أرأف من الوالد على ولده، فكنا في ظله آمنين، وبرؤيته فرحين([6])..

والغريب في الأمر: أن وشايات تلامذته عليه إلى هولاكو قد غيرت هولاكو عليه. وكانوا يسعون من وراء ذلك إلى الحلول محله عنده.

والظاهر: أن قطب الدين الشيرازي، محمود بن مسعود، وكذلك نجم الدين علي بن عمر المعروف بدبيران، صاحب متن الشمسية، قد كانا في جملة هؤلاء الحاسدين، الذين يقومون بالسعاية والوشاية به إلى هولاكو حتى هدده بالقتل([7])..

وأما بالنسبة لسقوط بغداد في أيدي المغول.. وتحديد المسؤول عن ذلك، فقد نجد في النصوص: أن الخليفة وحاشيته هما السبب الأقوى في تحريك هولاكو لمهاجمتها، وتصميمه على التخلص من الخليفة العباسي..

وقد كان بالإمكان تلافي هذا الأمر بتقديم بعض التنازلات، والكف عن بعض السياسات..

وقد كان مؤيد الدين ابن العلقمي يسعى في هذا الاتجاه، فلم يوفق لذلك، واتهم في نواياه، خصوصاً من قبل مؤلفي الحنابلة، والشاميين المتعصبين، الذين كانوا يبالغون في مثل هذه الأمور من منطلق التعصب الديني وغيره..

وهم ـ في الأكثر ـ قد عاشوا في القرون التي تلت حادثة سقوط بغداد..

وقد أذكى حرصهم على ذلك.. أن عدداً من ملوك المغول اللاحقين، قد أعلن أنه يلتزم بمذهب التشيع.. ولهذا البحث مجال آخر..

وأما ما ورد في السؤال، من أن وقوف المحقق الطوسي «رحمه الله» مع هولاكو كان هو السبب في سقوط الدولة العباسية. وأنه «رحمه الله» كان أساس تقدم، ونجاح هولاكو في حملته..

فلا أدري كيف يمكن قبوله، فقد كان لدى هولاكو الجيوش القوية، والطامحة، والطامعة، التي لم تنغمس في الملذات، ولم تألف القصور، ولا خلدت لحياة الراحة والرفاهية. وكانت تعيش حالة التقشف، وقد اعتادت الحياة العسكرية، بما فيها من صعوبات، ومتاعب. الأمر الذي يجعل من تحملها للمشاق والمتاعب أمراً عادياً وطبيعياً..

فإذا وُجِدَتْ الدواعي والبواعث القوية، والطموحات الواسعة، ولا سيما إذا كان الهدف هو إسقاط خلافة العالم الإسلامي بأسره، فإن المشاعر ستكون لديهم أكثر التهاباً، وأشد عنفاً، وسيكونون أقوى تصميماً وأصلب إرادة..

فإذا قابلهم مجتمع يعيش حالة الخمول، والرضا بالواقع، والخلود إلى الراحة، والبحث عن اللذة الحاضرة، والنأي بالأنفس عن كل تعب، وعناء، وأي خطر وبلاء..

بالإضافة إلى ما يعانيه ذلك المجتمع من تمزق وشتات، فإن روح التردد، والوهن، والضعف، والهروب، والخوف، والهزيمة، ستعين أولئك الغزاة الفاتحين على إنزال أقوى الضربات في خصومهم هؤلاء..

ولن يزيدهم وجود نصير الدين الطوسي «رحمه الله» معهم قوة، ولن يكون له دور في إلحاق الهزيمة بدولة العباسيين ولا بغيرها، إذا كانت هذه هي الحالة القائمة في هذا الفريق، وفي ذلك الفريق..

ثانياً: فتوحات صلاح الدين:

أما بالنسبة لصلاح الدين الذي اعتبرتموه أعظم الفاتحين بعد عصور الإسلام الأولى، فإن أمره عجيب، بل مريب جداً وأي مريب، فإن الحقيقة لا تحاكي ما هو المشهور عنه، بل تناقضها، إذ إن خيانته للأمة أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، فإن الخطة كانت تقضي بأن يكون هو وعمه نور الدين في الشام، ليطبقا على القوات الصليبية الغازية، فنكل صلاح الدين وتراجع.. وتم للغزاة ما أرادوا.

ثم إن ما يثير الدهشة، ويضاعف الريب: أنه بعد أن حرر القدس ترك للصليبين طريقاً إليها، وأعطاهم يافا.

كما أن أبناء أخيه هم الذين سلموا القدس للصليبيين، وسلم أقاربه الآخرون إليهم قلاع تبنين، وصيدا، وهونين، وصفد.. فأي فضل لصلاح الدين بعد هذا؟!

وها نحن أخيراً نرى ونسمع فتاوى علماء الوهابية، كابن باز وغيره تشرع للصلح مع اليهود غاصبي فلسطين والقدس، وبيت المقدس.

وها هي حكومات العرب تتسابق على إقامة العلاقات مع إسرائيل، وها هي إسرائيل تعلن على لسان مسؤوليها كيف أن حكام العرب يطالبونها بالقضاء على أشرف مقاومة في هذا العصر، وهي الوحيدة التي استطاعت أن تلحق بأعتى جيش أقسى الهزائم وأعظم النكبات.. ولا نريد أن نقول أكثر من هذا..

والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..


([1]) مجلة العرفان مجلد 47 ج4 ص335 و 336.

([2]) البداية والنهاية ج13 ص213 و (ط دار إحياء التراث) ج13 ص233.

([3]) مجلة العرفان م47 ج4 ص335 و336.

([4]) راجع كتاب فلاسفة الشيعة ص483 و484.

([5]) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج13 ص249.

([6]) راجع: مجلة العرفان 47 ج4 ص330 ـ 335 وأعيان الشيعة ج9 ص417 والإسماعيليون والمغول ونصير الدين الطوسي للسيد حسن الأمين ص52.

([7]) راجع: روضات الجنات (الطبعة الحجرية) ص610.

 
   
 
 

موقع الميزان