الشيعة يذمُّون الإمام الحسن
عليه السلام
لقد وجدنا كثيراً من الشيعة يقعون في الحسن بن علي «رضي
الله عنهما» ويذمونه وذريته، رغم أنه أحد أئمتهم، ومن أهل البيت([1]).
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
يا مذل المؤمنين:
إن أحداً من الشيعة، لا من الزيدية، ولا من الإمامية،
ولا من الإسماعيلية، ولا غيرهم لم يوجه إلى الإمام الحسن «عليه السلام»
أدنى كلمة فيها إساءة وذم، إلا إن كان مقصود السائل: أولئك الذين كانوا
في جيش الإمام الحسن «عليه السلام» حين كان في طريقه إلى حرب معاوية،
وقد حاولوا الفتك به «عليه السلام»، وضربوه بالمعول في فخذه، ثم خاطبوه
بـ: «يا مذل المؤمنين»، حين انتهى الأمر إلى تسليم الأمر إلى معاوية..
ولكن هؤلاء لم يكونوا من شيعة علي «عليه السلام»، بل
كانوا من بقايا الخوارج، ومن طلاب الدنيا، ومحبِّي الفتن.
فقد روي:
أنه قدم إليه «عليه السلام» جمع من شيعته، وقالوا له: يا مذل المؤمنين،
ويا مسود الوجوه([2]).
وفي نص آخر:
لامه بعضهم على الصلح([3]).
وفي نص ثالث:
أن أبا
عامر سفيان بن أبي ليلى([4])
قال له: السلام عليك يا مذِّل المؤمنين([5]).
وفي نص رابع:
قال له رجل من أصحابه: يا مسوِّد وجوه المؤمنين([6]).
وفي نص آخر قال له:
ذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً([7]).
ونص
خامس يقول:
إن عدي بن حاتم قال: لوددت أني مت قبل ما رأيت..
إلى
أن قال:
وأعطينا الدنية من أنفسنا، وقبلنا الخسيسة التي لم تلق بنا([8]).
ونص سادس:
صرح باسم سفين بن الليل([9])،
أو سفيان بن ياليل، أو ابن ليلى الخارجي([10]).
وفي نص سابع:
أن سليمان بن صرد قال له «عليه السلام»: السلام عليك يا مذل المؤمنين([11]).
ونص ثامن:
أن علي بن محمد بن بشير الهمداني قال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين([12]).
ونص تاسع
يقول:
إن حجر بن عدي قال له: أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك،
ولم نر هذا اليوم، فإنا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما
أحبوا.
فقال له «عليه السلام»:
يا حجر، سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحب الخ..([13]).
ووفد عليه مالك بن ضمرة، فأعنت له القول([14]).
وأما بالنسبة لثبوت هذه العبارات، فنقول:
لا شك في أنه قد كان هناك من تجرأ على مقام الإمام
«عليه السلام»، ولكننا لا نستطيع أن نؤكد صحة نسبة ذلك لكل شخص بخصوصه،
لاسيما وأن أكثر هذه النقولات قد وردت في كتب تاريخية، فيها الغث
والسمين، والصحيح والسقيم، مع ملاحظة: أنه لا ريب في أن هناك من يتعمد
نسبة بعض القضايا إلى الخلَّص من أصحابه عليه السلام، وذلك في نطاق
مشروعهم الخياني لله، ولرسوله، ولأئمة الهدى «صلوات الله وسلامه عليهم
أجمعين»، المتمثل في إظهار ضعف الإمام «عليه السلام»، وتشويه الصورة
الناصعة للأخيار من أصحابه، وتأييد نهج الأمويين وسياساتهم..
وإذا فرض صحة صدور ذلك من أحد الأصفياء والخلَّص من
أصحابه «عليه السلام»، فإن ذلك مرفوض منه، مردود عليه، لأن الواجب عليه
وعلى كل أحد، هو التسليم للنبي وللإمام، وفقاً للأمر الإلهي بذلك:
﴿وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً﴾([15]).
كما أن هذه التصرفات الرعناء، تدلِّل
على عمق البلاء الذي واجهه أئمتنا «عليهم السلام»، وهم يتعاملون مع
مجتمع، لا يدرك حتى بعض الخيار، والنخبة والطليعة الإيمانية فيه ما يجب
عليهم، أو لا يلتزمون به، أو تظهر من بعضهم الهنات، والسقطات، في أحرج
الأوقات، وأشد الأمور حساسية وخطورة. فلا يكونون على مستوى الحدث، ولا
يثقون بحسن تدبير، وبصوابية موقف إمامهم المعصوم، رغم أنهم يرون بأم
أعينهم حقيقة ما يجري وما يحدث. مع أن الإمام «عليه السلام» كان يشرح
لهم ما أبهم عليهم، تلويحاً تارة، وتصريحاً أخرى..
وقد لاحظنا:
أن الكثيرين ممن وردت أسماؤهم في لائحة المعترضين لم يكونوا خالصي
الولاء له «عليه السلام»، بل كان بعضهم من الخوارج والأعداء، ومنهم من
لم يكن من الأحباب، ولا من الأصدقاء..
وفي جميع الأحوال نقول:
إن أمثال هذه المواقف والحركات، لا يتوقع صدوره من
راسخي القدم في الولاء، ولا من العارفين بحق الإمام «عليه السلام»،
وبمقام الإمامة.
ولعل بعضهم قال ذلك على سبيل الحكاية لما يتداوله بعض
من لم يكن يرى الإمام الحسن «عليه السلام» إماماً مطهراً، معصوماً،
وسفينة نجاة..
ولعل الهدف هو أن يسمع الناس جواب الإمام «عليه السلام»
على هذه الأباطيل والأضاليل.
ولو فرض أن أحدهم قد تفوه بكلام
كهذا.. فمن قال:
إن الله تعالى لم يتداركه برحمته، ويكشف عن بصيرته، حتى بلغ ذلك
المقام، بعد أن صحت توبته، وعظمت ندامته، وطالت حسرته على ما فرط منه
في حق إمامه المعصوم «عليه السلام».
ثانياً:
لا تقاس بالإمام الحسن
×
ذريته:
هناك فرق بين الإمام الحسن «عليه السلام» الذي هو
ريحانة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وسيد شباب أهل الجنة، وأحد
الذين أمر الله بمباهلة النصارى بهم، وأحد أهل البيت «عليهم السلام»
الذين أذهب الله عنهم الرجس كما في آية التطهير، وبين ذريته الذين قد
يكون فيهم المحسن الذي يمدح لإحسانه، والمسيء الذي يستحق الذم على
إساءته، لأن المفروض أن ذريته «عليه السلام» كسائر الناس الذين لا شيء
يثبت لهم العصمة..
وقد تجد في الإخوة من أب واحد وأم واحدة من هو في غاية
الصلاح، ومن هو في غاية الفساد.
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
انظر: «أعيان الشيعة» (1/26)، وكتاب «سليم بن قيس» (ص288)،
و«بحار الأنوار» (27/212).
([2])
كلمة الإمام الحسن ص102 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص580.
([3])
الإحتجاج ج2 ص68 و (ط دار النعمان) ج2 ص9 وكمال الدين ج1 ص315
و (ط مركز النشر الإسلامي سنة 1405هـ) ص316 وكفاية الأثر ص225
وإعلام الورى ج2 ص229 و 230 وغاية المرام ج2 ص285 وعن فرائد
السمطين ج2 ص123 وبحار الأنوار ج44 ص19وج51 ص132 وج52 ص279.
([4])
في البداية والنهاية سعيد بن النتل، وفي الفتوح لابن أعثم
سفيان بن الليل البهمي.
([5])
ترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص200 والمستدرك للحاكم ج3 ص175
والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص631 وإمتاع الأسماع ج5 ص360
والإستيعاب (ط دار الجيل) ج1 ص387 وتاريخ بغداد ج10 ص305
وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص279 وتهذيب الكمال ج6 ص250 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج4 ص6 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج26 ص551
والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج8 ص21 وكتاب الفتوح
لابن أعثم (ط دار الأضواء) ج4 ص295.
([6])
الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص414 و (ط دار الفكر سنة 1403هـ) ج5
ص115 والمستدرك للحاكم ج3 ص171 وتحفة الأحوذي ج9 ص197 وجامع
البيان ج30 ص330 وتفسير السمعاني ج6 ص261 وأحكام القرآن لابن
العربي ج3 ص411 و 429 والتفسير الكبير للرازي ج8 ص181 وج32 ص31
وتفسير القرآن العظيم ج4 ص566 وأسد الغابة ج2 ص14 وسير أعلام
النبلاء ج3 ص272 وميزان الإعتدال ج4 ص466 والبداية والنهاية (ط
دار إحياء التراث العربي) ج6 ص273 وج8 ص20 وج10 ص52 وإمتاع
الأسماع ج5 ص360 وج12 ص207 والنزاع والتخاصم ص82 وجواهر
المطالب لابن الدمشقي ج2 ص200.
([7])
الإحتجاج ج2 ص71 و (ط دار النعمان) ج2 ص12 وبحار الأنوار ج44
ص147 والعوالم ج16 ص281 والأنوار البهية ص90.
([8])
كلمة الإمام الحسن ص100 والأخبار الطوال للدينوري ص220 وحياة
الإمام الحسن للقرشي ج2 ص266 و 267 عن الدينوري ص203.
([9])
كلمة الإمام الحسن ص97 عن تاريخ دمشق لابن عساكر ج12 ص544.
([10])
تذكرة الخواص ص199 وبحار الأنوار ج44 ص59 وتاريخ مدينة دمشق
ج13 ص279 وج59 ص151 وتهذيب الكمال ج6 ص250 وسير أعلام النبلاء
ج3 ص147 وميزان الإعتدال ج2 ص171 وكتاب الفتن لابن حماد ص91
والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص140 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج4 ص39 ولسان الميزان ج3 ص53 وكتاب الفتوح (ط
دار الأضواء) ج4 ص295 وترجمة الإمام الحسن لابن عساكر ص200
وحياة الإمام الحسن ج2 ص269 و270عن الكشي، وعن شرح نهج البلاغة
للمعتزلي.
([11])
الإمامة والسياسة ج1 ص136 و (تحقيق الزيني) ج1 ص141 و (تحقيق
الشيري) ج1 ص185 عن المحاسن والمساوئ للبيهقي ج1 ص60 ـ 65 وصلح
الحسن للسيد شرف الدين ص118 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج26
ص531 عن الوثائق السياسية والإدارية العائدة للعصر الأموي (ط
مؤسسة الرسالة ـ بيروت) ص86.
([12])
الأخبار الطوال للدينوري ص220 و221.
([13])
مناقب آل أبي طالب ج4 ص41 و (المطبعة الحيدرية) ج3 ص197 وبحار
الأنوار ج44 ص57 وتفسير نور الثقلين ج5 ص193 وكتاب الفتوح لابن
أعثم ج4 ص295.
([14])
حياة الإمام الحسن للقرشي ج2 ص268 و 269 عن البحار.
([15])
الآية 56 من سورة الأحزاب.
|