لو غاب خوفاً من القتل، فلماذا لم يقتل الأئمة قبله؟!
تدعي الشيعة أن سبب اختفاء إمامهم الثاني عشر هو خوف
القتل. فيقال: ولماذا لم يُقتل من قبله من الأئمة؟! وهم يعيشون في دولة
الخلافة، وهم كبار، فكيف يُقتل وهو طفل صغير؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
فإننا نجيب بما يلي:
أولاً:
هناك روايات تاريخية، وغيرها تدلُّ على أن الأئمة «عليهم
السلام»
قد قتلوا إما بالسيف، وإما بالسم. وتجد هذه الروايات في المصادر التي
ذكرت نبذة عن حياة كل إمام منهم «عليهم
السلام»،
فراجع.
ثانياً:
ورد في الروايات عنهم أنفسهم: أنه ما منهم إلا مقتول أو مسموم. أو نحو
ذلك. وبعض هذه الروايات معتبرة، مثل ما روي:
1 ـ
عن تميم
القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت الهروي، عن
الإمام الرضا «عليه
السلام»
في نفي قول من قال: إن الإمام الحسين «عليه
السلام»
لم يقتل، ولكن شبِّه لهم، قال «عليه
السلام»:
والله، لقد قتل الحسين «عليه
السلام»،
وقتل من كان خيراً من الحسين «عليه السلام»، أمير المؤمنين، والحسن بن
علي «عليهما السلام»، وما منا إلا مقتول، وإني ـ والله ـ لمقتول بالسم
الخ..([1]).
2 ـ
محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أبي الصلت
الهروي، قال: سمعت الإمام الرضا «عليه
السلام»
يقول: «والله، ما منا إلا مقتول شهيد»([2]).
وليس في سند هذه الرواية إشكال.
3 ـ
روى محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن
القاسم بن محمد، عن علي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله «عليه
السلام»،
قال: سم رسول الله «صلى الله
عليه وآله»
يوم خيبر، فتكلم اللحم، فقال: يا رسول الله «صلى الله
عليه وآله»،
إني مسموم.
قال:
فقال النبي
«صلى الله
عليه وآله»
عند موته: اليوم قطعت مطاياي الأكلة التي أكلت بخيبر، وما من نبي، ولا
وصي إلا شهيد([3]).
وكلام اللحم هنا قد أراده الله معجزة لرسول الله «صلى
الله عليه وآله» تفيد في إقامة الحجة، وتأكيد وترسيخ إيمان الناس..
حفظاً للدين، وخدمة للرسالة، ولم يكن يراد به مجرد حفظ شخص رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، ومنعه من أكل السم.
4 ـ
قال الصدوق «رحمه
الله»:
وفي حديث آخر: «..وجميع الأئمة الأحد عشر بعد النبي «صلى الله
عليه وآله»
قتلوا: منهم بالسيف، وهو أمير المؤمنين، والحسين «عليهما
السلام».
والباقون قتلوا بالسم، قتل كل واحد منهم طاغية زمانه، وجرى ذلك عليهم
على الحقيقة والصحة الخ..»([4]).
5 ـ
روى الخزاز القمي: عن محمد بن وهبان البصري، عن داود بن الهيثم، عن
إسحاق بن البهلول، عن طلحة بن زيد، عن الزبير بن باطا، عن عمير بن
هاني، عن جنادة بن أميد: أن الإمام الحسن بن علي «عليه
السلام»
قال في مرضه الذي توفي فيه:
«والله، إنه لعهد عهده إلينا رسول الله «صلى الله عليه
وآله»: أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من ولد علي «عليه السلام»
وفاطمة «عليها السلام»، ما منا إلا مسموم، أو مقتول الخ..»([5]).
أي أن الأئمة الاثنا عشر هم علي وولده «عليهم السلام» يموتون بالسم أو
بالسيف.
ملاحظة:
لعل قوله: «اثنا عشر إماماً من ولد علي» قد جاء على سبيل التغليب،
بمعنى أن علياً «عليه السلام» هو الأب، والبقية هم من ولده، أو يكون
هناك اختلال في التعبير ناشئ عن الناقلين والنساخ.
6 ـ
قال الطبرسي «رحمه الله»، وكذلك الأربلي «رحمه الله»، وهما يتحدَّثان
عن الإمام العسكري «عليه السلام»: «ذهب كثير من أصحابنا إلى أنه «عليه
السلام» مضى مسموماً، وكذلك أبوه وجده، وجميع الأئمة «عليهم السلام»،
خرجوا من الدنيا بالشهادة».
واستدلَّ القائلون بذلك:
بما روي عن
الإمام الصادق «عليه
السلام»:
والله، ما منا إلا مقتول أو شهيد([6]).
7 ـ
وروى الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي، عن عبد العزيز بن يحيى الجلودي،
عن الجوهري، عن عتبة بن الضحاك، عن هشام بن محمد، عن أبيه، قال: خطب
الإمام الحسن بن علي «عليه
السلام»
بعد قتل أبيه، فقال في خطبته:
«لقد حدثني حبيبي جدي رسول الله «صلى الله
عليه وآله»:
«أن الأمر يملكه اثنا عشر إماماً من أهل بيته وصفوته، ما منا إلا مقتول
أو مسموم»([7]).
يضاف إلى ما تقدم:
وجود نصوص روائية، وتاريخية، تتحدَّث عن كل إمام، وأنه قد مات بالسم أو
القتل على يد طاغية زمانه، مع وجود محاذير كبيرة، وأخطار جسيمة تتهدد
من يعلن نفسه إماماً، لأن إظهاره سيثير الحكام، لأنه ليس في مصلحتهم.
وبعد هذا..
فلا يصح نفي حصول هذا الأمر، أو استبعاده..
ثالثاً:
إن حرص الطغاة والجبارين على قتل الإمام المهدي «عليه السلام» حتى وهو
صغير أشد، وطلبهم له آكد، لأنهم يعلمون أنه سيكون سبب ذهاب ملكهم،
وبوار أمرهم، فإن رسول الله «صلى الله
عليه وآله»
قد بشر الأمة بأنه «عليه
السلام»
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً، وسيحكم في الناس
بحكم آل داود وذلك لا يتحقق إلا بزوال ملك الجبارين، وقتل كل من يستحق
القتل، وعلى رأس هؤلاء الحكام الظالمون..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..
([1])
عيون أخبار الرضا ج2 ص203 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج1 ص220 وبحار
الأنوار ج49 ص285 وج27 ص213 وج44 ص272 ومدينة المعاجز ج7 ص155
ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص87 وج2 ص405 وتفسير نور
الثقلين ج1 ص565 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص660.
([2])
راجع: بحار الأنوار ج99 ص32 وج27 ص209 والأمالي للصدوق (ط سنة
1417 مؤسسة البعثة ـ قم) ص120 وعيون أخبار الرضا ج2 ص256 و (ط
مؤسسة الأعلمي) ج1 ص287 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص351 و (ط مركز
النشر الإسلامي) ج2 ص585.
([3])
بصائر الدرجات ص523 و مختصر بصائر الدرجات (المكتبة الحيدرية)
ص15 و (ط أخرى) ص98.
([4])
عيون أخبار الرضا (ط سنة 1404 هـ مؤسسة الأعلمي ـ بيروت) ج2
ص193 وبحار الأنوار ج25 ص118.
([5])
كفاية الأثر ص226 و 227 والصراط المستقيم ج2 ص128 و (نشر
المكتبة المرتضوية) ج2 ص132 والأنوار البهية (ط سنة 1417 هـ)
ص322 وبحار الأنوار ج27 ص364 وج44 ص139 ونهج السعادة ج8 ص238.
([6])
كشف الغمة (ط سنة 1381 هـ المطبعة العلمية ـ قم) ج2 ص430 و (ط
دار الأضواء) ج3 ص227 والأنوار البهية ص322 وإعلام الورى (ط
سنة 1390 هـ.) ص367 و (ط مؤسسة آل البيت) ج2 ص131 وبحار
الأنوار ج50 ص238 وراجع: الفصول المهمة لابن الصباغ ج2 ص1093.
([7])
بحار الأنوار ج27 ص217 وج43 ص346 وكفاية الأثر ص162 ومستدرك
سفينة البحار (ط سنة 1409 هـ مؤسسة البعثة ـ إيران) ج1 ص164.
|