أولي الأمر هم الأئمة
قال تعالى: ﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ..﴾([1]).
فإنّ الله عز وجل أمر المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله
وطاعة أولي الأمر منهم، لكن عند التنازع فالرد لا يكون إلا إلى الله
والرسول دون أولي الأمر، لأنّ الله عز وجل هو الرب، والرسول هو عن
المبلغ عن الله وهو معصوم لا يخطئ في بيان الحق عند التنازع، أما أولي
الأمر فلأنهم ليسوا مبلغين عن الله ولا عصمة لديهم بل مسلمون امتن الله
عليهم بالسلطة وأمرنا الله بطاعتهم ما أقاموا الدين، ولذلك لم يجعل
الله الرد إليهم.
ولو كان أولوا الأمر معصومين
ومبلغين عن الله كما تذكر النظرية الإمامية لجعل الله الرد إليهم، لكن
الله عز وجل أبى إلا أن يجعل الحقيقة واضحة للعيان.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله
الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
إن علينا ملاحظة الأمور التالية:
1 ـ
لا يمكن للناس أن يرجعوا إلى الله مباشرة، ليكون هو
الذي يتولى فض نزاعاتهم..
وبعد استشهاد النبي «صلى الله عليه وآله» لا يمكنهم
الرجوع إليه «صلى الله عليه وآله» ليباشر هو فض نزاعاتهم بنفسه أيضاً.
2 ـ
إن هذه الآية لا تختص بحياة رسول الله «صلى الله عليه
وآله». لأنه لا يمكن الرجوع في حياة الرسول إلى غير رسول الله «صلى
الله عليه وآله».
3 ـ
إن التنازع
بعد استشهاد رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد حصل ولا يزال يحصل،
وهذا
الإختلاف قد حصل في الامامة نفسها والاختلاف صار بين الامام عليه
السلام وبين المستولين على الخلافة فإلى من يرجع المختلفون هل يرجعون
إلى الإمام علي، أم يرجعون إلى أبي بكر.ولا
بد للناس من مرجعية تحل لهم هذه النزاعات الدينية وغيرها.
وقد قلتم:
إن القرآن لم يجعل الرد إلى الأئمة المعصومين «عليهم
السلام». فإلى من يرجع الناس في نزاعاتهم؟!. وهل تترك الشبهات
والخلافات في الدين تنتج الفتن التي تفتك فيهم، وتدمر وجودهم، وتقضي
على كل نبضات الحياة.
4 ـ
إن ما تقدم يجعلنا نفهم الآية بنحو آخر يختلف عما
ذكرتموه.
وهو أن المرجع الذي يحل النزاع هو القرآن، وكلام
الرسول.. والآيات وكلام الرسول يؤيدان ولاية علي عليه السلام وإمامته..
ويمكن توضيح هذا الجواب بطريقة أخرى وهي أن يقال:
أولاً:
إن الآية تدل
على عصمة الرسول «صلى الله عليه وآله»، لأنه تعالى أمر بطاعته بنحو
مطلق، فلو كان يعصي أو يخطئ، لكان المطلوب هو عصيانه..
وهذا تناقض.
ثانياً:
إن الآية المباركة تدل أيضاً على عصمة أولي الأمر بنفس
الدليل السابق، لأن أمر الله تعالى بطاعتهم أمر مطلق غير مشروط، ولو
كانوا يخطئون ويعصون فلا يمكن أن يأمر بإطاعتهم مطلقاً، بحيث يشمل حال
الخطأ والمعصية، بل هو سيأمر في هذه الحال بمعصيتهم، ولا يجتمع الأمر
بالطاعة والأمر بالمعصية.
وعلينا أن لا ننسى:
أنه تعالى أمر بطاعة الله بصورة مستقلة. فقال: أطيعوا
الله، ثم أمر بطاعة الرسول، وأولى الأمر بأمر واحد.
فقال: ﴿وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾..
ولعل الفرق بينهما: أن للرسول «صلى الله عليه وآله» حيثيتين:
إحداهما:
أنه مبلغ عن الله تعالى: دينه، وشرائعه.
الثانية:
وما يراه من صواب الرأي والتدبير، وتطبيق الأحكام التي
لها ارتباط بحكومته وولايته.
أما أولوا الأمر فليسوا كذلك، إذ لا نصيب لهم من الوحي،
وإنما هم حفظة التشريع، وحملته للناس. وقد أخذوه من كتاب الله، ومن
رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
فيجب تصديقهم والأخذ منهم، وطاعتهم فيما يرتبط بحكومتهم
وتدبيرهم.
ثالثاً:
إن الآيات التي تلت هذه الآية المباركة توضح: أن
التنازع الذي أمر الله تعالى الناس برده إلى الله سبحانه، وإلى الرسول
«صلى الله عليه وآله»، هو التنازع في أحكام الله.
ولا يجوز الرجوع في مثل هذا الأمر إلى الطاغوت، لأن ذلك
يوجب ضلالهم، بل كفرهم. ولا بد لحل النزاع المتعلق بالأحكام من الرجوع
إلى الله ورسوله. أي إلى الكتاب والسنة.
فإذا كان أولوا الأمر حافظين للأحكام، معصومين عن الخطأ
فيها، فإن الرجوع إليهم لأخذها منهم رجوع إلى حكم الله في كتابه، وإلى
رسوله فيما سنه وبينه وبلغه..
رابعاً:
إن الآية لم تحدد من هم أولوا الأمر، ولا بينت كيفية
نصبهم، ولا حدّدت من الذي ينصبهم، ومن الذي يجعل لهم ولاية الأمر.
فلا بد من الرجوع في ذلك كله إلى سائر الآيات التي حددث
ذلك.. فلماذا لا ترجعون إلى حديث الغدير؟!
فقد أمر الله رسوله بقوله: ﴿يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين﴾([2]).
أو إلى آية: ﴿إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾([3]).
فمن هم هؤلاء الراكعون الذين جعل الله لهم الولاية بعد
ولايته وولاية رسوله؟! نكتفي بهذا القدر من البيان..
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله
الطاهرين..
([1])
الآية 59 من سورة النساء.
([2])
الآية 67 من سورة المائدة.
([3])
الآية 55 من سورة المائدة.
|