صفحة : 19-32  

مواضع ردت فيها الشمس أو حبست لعلي :

ونحن نشير هنا إلى بعض ما ورد من ذلك، فنقول:

في منزل الرسول :

ذكر العياشي: أن علياً >عليه السلام< دخل على رسول الله >صلى الله عليه وآله< في مرضه، وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل في صورة دحية الكلبي، فقال له جبرئيل: دونك رأس ابن عمك، فأنت أحق به مني؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}.. ثم ذكر القضية([1]).

وعن ابن مردويه، عن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، والحسين بن علي >رضي الله عنهم<: أن النبي >صلى الله عليه وآله< كان ذات يوم في منزله، وعلي بين يديه، إذ جاء جبرئيل يناجيه عن الله عز وجل.

فلما تغشاه الوحي توسد فخذ علي، ولم يرفع حتى غابت الشمس، فصلى العصر جالساً، يومئ لركوعه وسجوده إيماءً.

فلما أفاق قال لعلي: أفاتتك صلاة العصر؟

فقال: صليتها إيماءً. أو قال: لم أستطع أن أصليها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحال التي كنت عليها في استماع الوحي.

فقال: ادع الله حتى يرد عليك الشمس حتى تصليها قائماً في وقتها، كما فاتتك، فإن الله يجيبك؛ لطاعتك لله ورسوله.

فسأل الله في ردها، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت صلاة العصر، فصلاها، ثم غربت الخ..([2]).

وفي نص آخر، لهذه القضية قالت أسماء: حتى بلغت الشمس حجرتي، ونصف المسجد([3]).

وفي نص آخر قالت: فرجعت الشمس حتى رأيتها في نصف الحجر، أو نصف حجرتي([4]).

وفي نص آخر عنها أنها قالت: كان >صلى الله عليه وآله< في هذا المكان ومعه علي، إذ أغمي عليه الخ..([5]).

والمقصود بالإغماء هنا: برحاء الوحي، كما دلت عليه سائر الروايات.

يوم بدر:

عن أنس قال: أعطي علي بن أبي طالب خمس خصال، رأيتهن، لم يعطها أحد قبله: رد له الشمس يوم بدر، حيث اشتغلوا بالغنائم([6]).

في مشربة:

عن جعفر، عن أبيه، قال: دخل رسول الله >صلى الله عليه وآله< على علي وهو نائم في مشربة، فضربه برجله، فاستيقظ، فقال: يا علي صليت العصر؟

قال: لا. وقد كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي >صلى الله عليه وآله<: اللهم احبسها عليه.

قال: وكتب >وحبست<([7]).

ونحن لا نستطيع القبول بقوله: >فضربه برجله< فإن ذلك لا يناسب أدب رسول الله >صلى الله عليه وآله<.. ولعل الصحيح هو أنه حرك علياً >عليه السلام< برجله؛ لأن تحريك رجل نائم يجعله يستيقظ هادئاً غير مذعور.

ولكن ذلك لا يضر بأصل الحدث، فإن بطلان الخصوصية لا يبطل الرواية بمجموعها.

في الصهباء في غزوة خيبر:

روى حديث رد الشمس في خيبر عدد من الحفاظ، وفي الكثير من المصادر فراجع([8]).

رد الشمس لعلي ببابل:

وقد روي رجوعها له >عليه السلام< في العراق ومعه جيشه، وذلك بعد قطعهم معه >عليه السلام< جسر الصراة ـ نهر بالعراق ـ من أرض بابل، حيث إنه >عليه السلام< لم يصل في تلك الأرض، معللاً ذلك بقوله: >إن هذه أرض معذبة، لا ينبغي لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي فيها<([9])، وذلك بعد رجوعه من حرب الخوارج.

والظاهر: أن المراد: أنه لم يصل فيها صلاة المختار، فلا مانع من أن يكون قد صلى فيها في حال السير مومياً للركوع والسجود.

لكن ذكر في نص آخر: أنه: >لما أراد أن يعبر الفرات ببابل، اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، فصلى >عليه السلام< بنفسه في طائفة معه العصر، فلم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس، وفاتت الصلاة كثيراً منهم. وفات الجمهور فضل الاجتماع معه.

فتكلموا في ذلك. فلما سمع كلامهم فيه، سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه، لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله في ردها عليه الخ..([10]).

وبعد أن ذكر ابن كثير ذلك، قال: وقد نظمه الحميري، فقال:

ردت عليه الشمس لمـا فاتـه          وقت  الصـلاة  وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورهـا في وقتهـا            للعصر ثـم هوت هـوي الكـوكب
وعليه قـد ردت ببابـل مـرة          أخرى، ومـا ردت لخـلق مقـرب(
[11])

وقال حبيب بن أوس:

فردت علينا الشمس والليل راغـم        بشمس لهم من جانب الخدر تطـلـع
نضا ضوؤها صدغ الدجنة وانطوى      ببهجتها نـور السمـاء المـرجَّـع
فــوالله مــا أدري عَلِيٌ بـدا لنـا        فردت له أم كان في القوم يوشع؟!
([12])

قال ابن كثير: وهذا الشعر تظهر عليه الركاكة، والتركيب، وأنه مصنوع<([13]).

ولا ندري: كيف تظهر الركاكة على هذا الشعر مع أن أهل الصناعة يدركون أنه في أعلى درجات البلاغة؟! وأظن أنه لم يفقه المقصود من الشعر، أو أن تعصبه دعاه إلى ارتكاب أمر يعلم بأنه لا يرضاه أحد ممن له بصر بالشعر ومعانيه..

وعلى كل حال، فإن الشعراء قد أكثروا من ذكر هذه القضية الفريدة في شعرهم.

وقد ذكر العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي: مقطوعات كثيرة من ذلك، فراجع([14]).

في مسجد الفضيخ:

هذا.. وقد روي أيضاً أنها ردت له >عليه السلام< في مسجد الفضيخ، فراجع([15]).

ولعل هذا هو المسجد الذي أمر رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يبنى في موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين >عليه السلام<، ليصلى فيه، ويزار([16]).

في حنين:

وحديث ردها لعلي >عليه السلام< في حنين، رواه المجلسي وغيره فراجع([17]).

أول شعر وصل إلينا:

هذا وقد قالوا: إن حسان بن ثابت قال في هذه المناسبة:

يـا قـوم مـن مثـل علي وقــد      ردت عليه الشـمـس مـن غـائـب
أخـو رســـول الله وصـهــره      والأخ لا يعــدل بـالصــاحـب
(
[18])

وقال السيد الحميري:

فلما قضى وحي النبي دعـا لـه           ولم يك صلى العصر والشمس تنزع
فردت عليه الشمس بعد غروبهـا       فصـار لها في أول الليل مطلع(
[19])

وقال سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:

لك المناقب يعيا الحاسبون بهـا         عـدا ويعجز عنهـا كـل مـكتـتب
كرجعة الشمس إذا رمت الصلاة        وقد راحت توارى عن الأبصار با لحجب
ردت عليك كأن الشهب ما اتضـحت        لنـاظـر وكـأن الشمس لـم تـغب

وقال ابن الرومي:

وله عجائب يوم صـار بجيـشـه      يبغـي لـقصر النهـروان المخرجـا
ردت عليه الشمس بعد غـروبها       بيضـاء تـلـمـع رقـدة وتأججا
([20])

والشعر الذي أنشدوه في هذه القضية كثير جداً لا مجال لتتبعه.

شواهد حيَّة:

وثمة شواهد حيَّة على هذا الأمر، لا تزال ماثلة للعيان، ونذكر منها:

ألف: مسجد الشمس بالمدينة:

وبعد.. فقد تقدم: أن المسجد المعروف باسم >مسجد الفضيخ<، الموجود الآن بالمدينة يقال له أيضاً: مسجد الشمس([21]).

فهل هو ملاصق لمشربة أم إبراهيم، أم هو نفسها، كما يظهر من رواية في الكافي؟! إن ذلك يحتاج إلى بحث ودراسة([22]).

ب: مسجد الشمس في العراق:

ومسجد الشمس معروف في الحلة في بلاد العراق.. قال المجلسي: عن جسر الصراة:

الظاهر: أنه مكان جسر الحلة، ومسجد الشمس هناك مشهور([23]).

وقالوا: بأن الصلاة مستحبة في هذا المسجد([24]).

ج: مسجد الصاعدية:

وقال رحمه الله أيضاً: >مسجد الشمس بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع<([25]).

 

([1]) البحار ج41 ص172، تفسير العياشي ج2 ص70، والبرهان ج2 ص92.

([2]) البحار ج41 ص171 عن الإرشاد للمفيد ص163 و164.

وراجع: مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص146، ورواه ابن مردويه مختصراً عن أبي هريرة، وأسماء بنت عميس أيضاً، وراجع: البحار ج41 ص167 وأرجح المطالب ص686.

([3]) الأمالي للمفيد ص63.

([4]) اللآلي المصنوعة ج1 ص339.

([5]) اللآلي المصنوعة ج1 ص340، والبحار ج41 ص177.

([6]) مناقب الإمام أمير المؤمنين علي، لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي ج2 ص516.

([7]) مناقب الإمام أمير المؤمنين علي، لمحمد بن سليمان الكوفي القاضي ج2 ص517.

([8]) مصادر ذلك كثيرة، فراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص517، ومشكل الآثار ج2 ص9، وج4 ص389، وكفاية الطالب ص385، والشفاء ج1 ص284، والمعجم الكبير ج24 ص145، وكنز العمال ج12 ص349، وعمدة القاري ج15 ص43، والبداية والنهاية ج6 ص80، والـلآلي        =   = المصنوعة ج1 ص338 و339 و340، ومنهاج السنة ج4 ص191 و188 و189، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص201، والسيرة الحلبية ج1 ص386 و385، والبحار ج41 ص167 و174 و179 عن علل الشرائع ص124، وعن المناقب ج1 ص359 و361، وعن الخرايج والجرايح، ونسيم الرياض ج3 ص10 و11 و12 والمواهب اللدنية ج2 ص209 و210.

([9]) البحار ج41 ص168 و178 و188، وج80 ص317 عن علل الشرائع ج2 ص49 ـ 51، وعن بصائر الدرجات ص58 و217، وعن روضة الكافي ص300، وعن الفضائل ص71، وعن كنز جامع الفوائد وتأويل الآيات الظاهرة.

([10]) البحار ج41 ص171 و172 و174 و183 و184 عن الإرشاد للمفيد ص163 و164 وعن المناقب لابن شهراشوب ج1 ص359 ـ 365.

وهناك نص آخر عن: أمالي ابن الشيخ ص64 ونص آخر عن: نصر بن مزاحم في كتاب صفين.

([11]) البداية والنهاية ج6 ص86 ، وراجع: منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص186، عن نهج الحق للعلامة الحلي.

([12]) البداية والنهاية ج6 ص87 عن الفصل لابن حزم.

([13]) المصدر السابق.

([14]) ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ج2 هوامش ص305 و306 و307.

([15]) راجع: البحار ج41 ص182 و183 عن الكافي ج4 ص561 و562، وراج: وفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص822.

([16]) راجع الهداية الكبرى ص120.

([17]) البحار ج17 ص359 عن الخرايج والجرايح. ونحتمل أن تكون كلمة حنين تصحيف كلمة خيبر. لكن ذكرهما معاً في النص المنقول عن الحسن البصري في أوائل هذا البحث يرج أن لا يكون هناك تصحيف.

([18]) ينابيع المودة للقندوزي ص138 وعنه في إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص536، وإثبات الهداة ج2 ص540.

([19]) راجع مناقب آل أبي طالب ج2 ص359 ط بيروت.

([20]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص359 ط دار الأضواء ـ بيروت.

([21]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص822 و823. والبحار ج41 ص182 و183 وج97 ص217 عن الكافي ج4 ص561 و562.

([22]) الكافي ج4 ص561 والبحار ج97 ص216.

([23]) البحار ج80 ص318.

([24]) البحار ج99 ص29 و30.

([25]) البحار ج41 ص174.

 
   
 
 

موقع الميزان