ونحن
نشير هنا إلى بعض ما ورد من ذلك، فنقول:
ذكر العياشي:
أن علياً >عليه السلام< دخل على رسول الله >صلى الله عليه وآله<
في مرضه، وقد أغمي عليه، ورأسه في حجر جبرئيل، وجبرئيل في صورة دحية
الكلبي، فقال له جبرئيل:
دونك
رأس ابن عمك، فأنت أحق به مني؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأُوْلُواْ
الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}..
ثم ذكر القضية([1]).
وعن
ابن مردويه، عن أسماء بنت عميس، وأم سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري،
وأبي سعيد الخدري، والحسين بن علي >رضي الله عنهم<: أن النبي >صلى الله
عليه وآله< كان ذات يوم في منزله، وعلي بين يديه، إذ جاء جبرئيل يناجيه
عن الله عز وجل.
فلما
تغشاه الوحي توسد فخذ علي، ولم يرفع حتى غابت الشمس، فصلى العصر جالساً،
يومئ لركوعه وسجوده إيماءً.
فلما أفاق قال لعلي:
أفاتتك صلاة العصر؟
فقال:
صليتها
إيماءً. أو قال: لم أستطع أن أصليها قائماً لمكانك يا رسول الله،
والحال التي كنت عليها في استماع الوحي.
فقال:
ادع الله حتى يرد عليك الشمس حتى تصليها قائماً في وقتها، كما فاتتك،
فإن الله يجيبك؛
لطاعتك لله ورسوله.
فسأل
الله في ردها، فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت صلاة العصر،
فصلاها،
ثم غربت الخ..([2]).
وفي نص آخر، لهذه القضية قالت
أسماء:
حتى بلغت الشمس حجرتي، ونصف المسجد([3]).
وفي نص آخر قالت:
فرجعت الشمس حتى رأيتها في نصف الحجر، أو نصف حجرتي([4]).
وفي نص آخر عنها أنها قالت:
كان >صلى الله عليه وآله< في هذا المكان ومعه علي، إذ أغمي عليه الخ..([5]).
والمقصود بالإغماء هنا:
برحاء الوحي، كما دلت عليه سائر الروايات.
عن أنس قال:
أعطي علي بن أبي طالب خمس خصال، رأيتهن، لم يعطها أحد قبله: رد له
الشمس
يوم بدر، حيث اشتغلوا
بالغنائم([6]).
عن جعفر، عن أبيه، قال:
دخل رسول الله >صلى الله عليه وآله< على علي وهو نائم في مشربة، فضربه
برجله، فاستيقظ، فقال: يا علي صليت العصر؟
قال:
لا. وقد كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي >صلى الله عليه وآله<: اللهم
احبسها عليه.
قال:
وكتب >وحبست<([7]).
ونحن لا
نستطيع القبول بقوله: >فضربه برجله< فإن ذلك لا يناسب أدب رسول الله
>صلى الله عليه وآله<.. ولعل الصحيح هو أنه حرك علياً >عليه السلام<
برجله؛ لأن تحريك رجل نائم يجعله يستيقظ هادئاً غير مذعور.
ولكن
ذلك لا يضر بأصل الحدث، فإن بطلان الخصوصية لا يبطل الرواية بمجموعها.
روى
حديث رد الشمس في خيبر عدد من الحفاظ، وفي الكثير من المصادر فراجع([8]).
وقد روي
رجوعها له >عليه السلام< في العراق ومعه جيشه، وذلك بعد قطعهم معه
>عليه السلام< جسر الصراة ـ نهر بالعراق ـ من أرض بابل، حيث إنه >عليه
السلام< لم يصل في تلك الأرض، معللاً
ذلك بقوله: >إن هذه أرض معذبة، لا ينبغي لنبي ولا لوصي نبي أن يصلي
فيها<([9])،
وذلك بعد رجوعه من حرب الخوارج.
والظاهر:
أن المراد: أنه لم يصل فيها صلاة المختار، فلا مانع من أن يكون قد صلى
فيها في حال السير مومياً للركوع والسجود.
لكن ذكر في نص آخر:
أنه: >لما أراد أن يعبر الفرات ببابل، اشتغل كثير من أصحابه بتعبير
دوابهم ورحالهم، فصلى >عليه السلام< بنفسه في طائفة معه العصر، فلم
يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس، وفاتت الصلاة كثيراً منهم. وفات
الجمهور فضل الاجتماع معه.
فتكلموا
في ذلك. فلما سمع كلامهم فيه، سأل
الله تعالى أن يرد الشمس عليه،
لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله في ردها عليه
الخ..([10]).
وبعد أن
ذكر ابن كثير ذلك، قال: وقد نظمه الحميري، فقال:
ردت عليه الشمس لمـا فاتـه وقت الصـلاة وقد دنت للمغرب
حتى تبلج نورهـا في وقتهـا للعصر ثـم هوت هـوي الكـوكب
وعليه قـد ردت ببابـل مـرة أخرى، ومـا ردت لخـلق مقـرب([11])
وقال
حبيب بن أوس:
فردت علينا الشمس والليل راغـم بشمس لهم من جانب الخدر تطـلـع
نضا ضوؤها صدغ الدجنة وانطوى ببهجتها نـور السمـاء المـرجَّـع
فــوالله مــا أدري عَلِيٌ بـدا لنـا فردت له أم كان في القوم
يوشع؟!([12])
قال ابن كثير:
وهذا الشعر تظهر عليه الركاكة، والتركيب، وأنه مصنوع<([13]).
ولا ندري:
كيف تظهر الركاكة على هذا الشعر مع أن أهل الصناعة يدركون أنه في أعلى
درجات البلاغة؟! وأظن أنه لم يفقه المقصود من الشعر، أو أن تعصبه
دعاه إلى ارتكاب أمر يعلم بأنه لا يرضاه أحد ممن له بصر بالشعر
ومعانيه..
وعلى كل حال،
فإن الشعراء قد أكثروا من ذكر هذه القضية الفريدة في شعرهم.
وقد
ذكر العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي:
مقطوعات كثيرة من ذلك، فراجع([14]).
هذا..
وقد روي أيضاً أنها ردت له >عليه السلام< في مسجد الفضيخ، فراجع([15]).
ولعل
هذا هو المسجد الذي أمر رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يبنى في
موضع صلاة العصر التي صلاها أمير المؤمنين >عليه السلام<، ليصلى فيه،
ويزار([16]).
وحديث
ردها لعلي >عليه السلام< في حنين، رواه المجلسي وغيره فراجع([17]).
هذا وقد قالوا:
إن حسان بن ثابت قال في هذه المناسبة:
يـا قـوم مـن مثـل علي وقــد
ردت عليه الشـمـس مـن غـائـب
أخـو رســـول الله وصـهــره والأخ لا يعــدل بـالصــاحـب([18])
وقال
السيد الحميري:
فلما قضى وحي النبي دعـا لـه ولم يك صلى العصر والشمس تنزع
فردت عليه الشمس بعد غروبهـا فصـار لها في أول الليل مطلع([19])
وقال
سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:
لك المناقب يعيا الحاسبون بهـا
عـدا ويعجز عنهـا كـل مـكتـتب
كرجعة الشمس إذا رمت الصلاة وقد راحت توارى عن الأبصار با لحجب
ردت عليك كأن الشهب ما اتضـحت لنـاظـر وكـأن الشمس لـم تـغب
وقال
ابن الرومي:
وله عجائب يوم صـار بجيـشـه
يبغـي لـقصر النهـروان المخرجـا
ردت عليه الشمس بعد غـروبها بيضـاء تـلـمـع رقـدة وتأججا([20])
والشعر
الذي أنشدوه في هذه القضية كثير جداً لا مجال لتتبعه.
وثمة
شواهد حيَّة على هذا الأمر، لا تزال ماثلة للعيان، ونذكر منها:
وبعد.. فقد تقدم:
أن المسجد المعروف باسم >مسجد الفضيخ<، الموجود الآن بالمدينة يقال له
أيضاً: مسجد الشمس([21]).
فهل هو
ملاصق لمشربة أم إبراهيم، أم هو نفسها، كما يظهر من رواية في الكافي؟!
إن ذلك يحتاج إلى بحث ودراسة([22]).
ومسجد
الشمس معروف في الحلة في بلاد العراق.. قال المجلسي: عن جسر الصراة:
الظاهر:
أنه مكان جسر الحلة، ومسجد الشمس هناك مشهور([23]).
وقالوا:
بأن
الصلاة مستحبة في هذا المسجد([24]).
وقال رحمه الله أيضاً:
>مسجد الشمس بالصاعدية من أرض بابل شائع ذائع<([25]).
|