وقد توهم ابن كثير وغيره:
أن مما يدل على ضعف حديث رد الشمس، ما رواه أحمد على شرط البخاري، عن
أبي هريرة، عن النبي >صلى الله عليه وآله<، أنه قال: لم تحتبس الشمس
على أحد إلا ليوشع. أو ما بمعناه([1]).
وجوابه:
أولاً:
إن هذا موضع شك، وتوهم باطل؛ لأن أبا هريرة لا يؤتمن على علي، كيف وقد
ضرب على صلعته في باب مسجد الكوفة، وشهد بالله: أن علياً >عليه السلام<
قد أحدث في المدينة، وذلك بعد أن روى حديث: من أحدث في المدينة أو آوى
محدثاً فعليه لعنة الله([2]).
بالإضافة إلى أشياء أخرى بدرت منه، لا تبتعد عن هذا السياق، فراجع كتاب
أبو هريرة للسيد عبد الحسين شرف الدين، وقاموس الرجال للتستري ج6 ص233
ـ 238 وج11 ص553 ـ 555.
وقد
روي عن علي >عليه السلام<:
ألا إن أكذب الناس، أو أكذب الأحياء على رسول الله >صلى الله عليه
وآله<، أبو هريرة([3]).
وقد وضع
معاوية قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي،
تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب فيه،
فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة الخ..([4]).
ثانياً:
لو صح
هذا الحديث، فإنه لا يوجب الحكم على حديث رد الشمس لعلي >عليه السلام<،
بأنه موضوع، إذ إن من الجائز أن يكون هذا الحديث قد صدر عن النبي قبل
رد الشمس لعلي في قصة خيبر([5]).
وقبل
ردها له في بدر، وفي مسجد الفضيخ، وفي منزله في المدينة وغير ذلك.
ثالثاً:
إن حبس
الشمس، هو منعها عن مغيبها، أما ردها فهو غيبوبتها ثم رجوعها إلى كبد
السماء، فهما أمران مختلفان، والذي نفاه هذا الحديث هو الأول، لا
الثاني([6]).
قال القاضي عياض:
>واختلف في حبس الشمس المذكور هنا، فقيل ردت على
أدراجها.
وقيل:
وقفت
ولم ترد.
وقيل:
بطء حركتها..
قال:
وكل ذلك من معجزات النبوة<([7]).
وقد رووا عن جابر:
أن النبي >صلى الله عليه وآله< أمر الشمس فتأخرت ساعة من نهار، وأسناده
حسن([8]).
رابعاً:
لقد قالوا:
لم تحبس الشمس إلا ليوشع ولنبينا محمد([9])
صبيحة الإسراء، حين انتظروا العير التي أخبر >صلى الله عليه وآله<
بقدومها عند شروق الشمس في ذلك اليوم.
وعن
السدي:
إن الشمس كادت أن تغرب قبل أن يقدم ذلك العير، فدعا
الله عز وجل، فحبسها حتى قدموا، كما وصفها لهم.
قال:
فلم تحبس الشمس على أحد إلا عليه وعلى يوشع بن نون. رواه البيهقي([10]).
خامساً:
حبست أيضاً في الخندق، حين شغل >صلى الله عليه وآله< عن صلاة العصر حتى
غابت الشمس فصلاها. ذكره عياض في إكماله.
وقال الطحاوي:
رواته ثقات([11]).
سادساًً:
قال العسقلاني:
>إن الحصر محمول على ما مضى للأنبياء قبل نبينا >صلى
الله عليه وآله<، فلم تحبس الشمس إلا ليوشع. وليس فيه نفي أنها تحبس
بعد ذلك لنبينا >صلى الله عليه وآله<([12]).
وقال دحلان وغيره:
>معنى الحديث: لم تحبس على أحد من الأنبياء غيري إلا ليوشع<([13]).
سابعاً:
قال الشافعي: >وغيره.. ما أولي نبي معجزة إلا أولي نبينا نظيرها، أو
أبلغ منها. وقد صح أن الشمس حبست على يوشع ليالي قاتل الجبارين، فلابد
أن يكون لنبينا >صلى الله عليه وآله< نظير ذلك, فكانت هذه القصة نظير
تلك<([14]).
ثامناً:
قال الحلبي: >وجاء في رواية ضعيفة: أن الشمس حبست عن الغروب لداود عليه
الصلاة والسلام<([15]).
تاسعاً: ذكر البغوي:
>أنها حبست لسليمان >عليه السلام<. أي فعن علي بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنه: إن الله أمر الملائكة الموكلين بالشمس حتى ردوها على
سليمان، حتى صلى العصر في وقتها.
وهذا
ردٌّ، لا حبس لها عن غروبها الخ..<.
ونقل الخفاجي ذلك عن الكواشي، والبغوي، والثعلبي أيضاً([16]).
عاشراً:
وجاء
أنها حبست لموسى أيضاً([17]).
أي عند الطلوع.
حادي
عشر:
قال اليعقوبي: >وفي
أيام حزقيل رجعت الشمس نحو مطلعها خمس درجات<([18]).
ثاني عشر:
قد ادعوا: أن الشمس قد حبست لأبي بكر..([19]).
ورغم
أننا نعتقد بعدم صحة هذا الادعاء الأخير، وأنه إنما جاء على سبيل سرقة
ما لا يحل، والتصدق به على من لا يستحق.. غير أننا نورد ذلك على سبيل
الإلزام لمن يلتزم به..
ثالث
عشر:
والأمرُّ والأدهى من ذلك دعواهم أن: >ما حكي من كرامات الحضرمي،
واستفاض: أنه قال يوماً لخادمه، وهو في سفر له إلى بلدة زبيد، وقد خاف
أن تغلق المدينة أبوابها:
قل للشمس:
تقف حتى
نصل إلى المنزل. وكان في مكان بعيد وقد قرب وقت غروبها.
فقال لها الخادم:
قال لك الفقيه إسماعيل: قفي. فوقفت، حتى بلغ مكانه.
ثم قال للخادم:
أما تطلق ذاك المحبوس؟!
فأمرها
الخادم بالغروب فغربت. فأظلم الليل في الحال.
وفي نص آخر:
أنها وقفت ساعة طويلة..
وفي
نص ثالث:
أنه أشار للشمس فوقفت حتى دخل المدينة.
قال اليافعي:
>وهذه
الكرامة مما شاع في بلاد اليمن وكثر فيها الانتشار<.
وقال اليافعي أيضاً:
وإليه أشرت بقولي:
هو الحضرمي نجل الـولـي محمـد
إمام الهدى نجل الإمـام الممجد
ومن جاهه أومى للشمس أن قـفـي فـلم تمش حتى أنزلوه بمقعـد
وقال
أيضاً:
هو الحضرمي المشهور من وقفت له
بقول قـفي شمس لأبلغ منزلـي
وقد
قال العلامة السماوي في >العجب اللزومي<:
واعجبا مـن فرقـة قـد غـلـت مـن دغـل فـي يـومـها مضــرم
تـنـكر رد الـشمس للمرتضـى بـأمر طه العـيـلم الـحضـرمي
وتـدَّعـي أن ردهــا خـــادم لأمـر إسمـاعيـل الحضـرمـي([20])
|