لو ردت لعلي لردت للنبي

   

صفحة :75-78   

لو ردت لعلي لردت للنبي :

ومما أوردوه على روايات رد الشمس لعلي >عليه السلام<، ما قاله ابن كثير، وغيره: >ثم يقال للروافض: أيجوز أن ترد الشمس لأبي الحسن حين فاتته صلاة العصر، ولا ترد لرسول الله، ولجميع المهاجرين والأنصار، وعلي فيهم، حين فاتتهم صلاة الظهر، والعصر، والمغرب يوم الخندق؟!

قال: وأيضاً مرة أخرى عرَّس رسول الله >صلى الله عليه وآله<، بالمهاجرين والأنصار، حين قفل من غزوة خيبر، فذكر نومهم عن صلاة الصبح، وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس.

قال: فلم يردّ الليل على رسول الله، وعلى أصحابه.

قال: ولو كان هذا فضلاً أعطيه رسول الله، وما كان الله ليمنع رسوله شرفاً وفضلاً ـ يعني أعطيه علي بن أبي طالب ـ <([1]).

وأضاف في موضعٍ آخر قوله: >وكذلك كثير من الصحابة الذين ساروا إلى بني قريظة، فاتتهم العصر يومئذٍ حتى غربت الشمس، ولم تردَّ لهم<.

وكذلك لما نام رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وأصحابه، عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، صلوها بعد ارتفاع النهار، ولم يردَّ لهم الليل. فما كان الله ليعطي علياً وأصحابه شيئاً من الفضائل لم يعطها رسول الله >صلى الله عليه وآله< وأصحابه([2]).

ونقول لابن كثير، وابن تيمية، وغيرهما:

إن ما يثير عجبنا، هو أنكم تحاولون تبرئة أهل السنة من حديث رد الشمس، فتوجهون خطابكم للروافض، مع أن أهل السنة متمثلين بصفوة علمائهم، أحرص على رد الشبهات التي يثيرها أمثالكم حول هذا الحديث الشريف.. وهذا البحث، قد أظهر جانباً ضئيلاً من هذه الحقيقة.

وعلى كل حال، فإننا نقول: إن ما ذكره ابن كثير، وابن تيمية من إعتراضات لا تصح وذلك لما يلي:

أولاً: كيف يصح قولهم: إن النبي >صلى الله عليه وآله< نام عن صلاة الصبح؟!، مع أنه >صلى الله عليه وآله< ـ كما يقولون ـ: >تنام عيناه ولا ينام قلبه<([3]).

ثانياً: قد ذكرنا في هذا البحث المقتضب، عن العديد من المصادر: أنها ردت على رسول الله >صلى الله عليه وآله< في غزوة الخندق، وفي غيرها وحبست له >صلى الله عليه وآله< حين الإسراء، فلا يصح النقض المذكور.

ثالثاً: قال الخفاجي: >وأما قوله: وهذا حديث مضطرب لأنه عليه الصلاة والسلام أفضل من علي، ولم ترد الشمس له، بل صلى العصر بعدما غربت..

فمردود عليه، لأنها إنما ردت على علي ببركة دعائه صلى الله تعالى عليه وسلم.

مع أن كرامات الأولياء في معنى معجزات الأنبياء.

وقد سبق عن البغوي: أنها ردت عليه أيضاً، فما صلى العصر إلا في وقتها.

مع أن المفضول قد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل.

كما يلزم منه القول بعدم حبسها ليوشع<([4]) انتهى كلامه.

أي لأن الأنبياء من أولي العزم كانوا أفضل من يوشع.

غير أننا نقول: إننا لا نوافقه على قوله: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، إلا إذا أراد: أن هناك مصالح ومقتضيات لحدوث الكرامة قد توجد في المفضول، فيجريها الله على يده، ولا توجد في الفاضل. فلا يحتاج إلى تلك المعجزة أو الكرامة.

فتكون فائدة ردها لعلي >عليه السلام< هي: تأكيد فضله، وتعريف الناس بمقامه عند الله، وتسهيل خضوعهم لإمامته >عليه السلام<، وفضح أولئك الذين اختاروا طريق العناد والجحود.. فتقوم الحجة بذلك عليهم، وعلى المخدوعين بهم..

هذا بالإضافة إلى أن ردها له >عليه السلام< يوجب قطع الطريق على أعدائه من أهل النفاق، لكي لا يشيعوا عنه أنه ترك الصلاة الواجبة، فلا يقدرون على تشكيك الناس في صحة أن يكون قد صلى إيماءً، أو في قبول الصلاة إيماءً، أو عدم قبولها منه، وما إلى ذلك..

رابعاً: إن الصحابة الذين فاتتهم الصلاة في بني قريظة ما كانوا يستحقون الكرامة الإلهية لكي ترد الشمس لهم، لأنهم لم يكونوا في طاعة الله، وطاعة رسوله >صلى الله عليه وآله< كما كان علي >عليه السلام<حسبما صرحت به الرواية، بل تركوها تهاوناً بها، واستخفافاً بأمر رسول الله >صلى الله عليه وآله< حسبما أوضحناه في كتاب الصحيح من سيرة النبي >صلى الله عليه وآله<..


 

([1]) البداية والنهاية ج6 ص79 و80 وراجع ص87 ، وراجع: منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص187 و189.

([2]) البداية والنهاية ج6 ص87 ، ومنهاج السنة ج4 ص187 و189.

([3]) أرشد في كتاب المعجم المفهرس لألفاظ السنة النبوية إلى المصادر التالية: صحيح البخاري، (التهجد) باب 16 (والتراويح) باب 1 (والمناقب) باب 24 وصحيح مسلم (مسافرين) 125، وسنن أبي داود (طهارة) 79 (تطوع) 26، والجامع الصحيح (مواقيت) 208 (فتن) 63، وسنن النسائي (ليل) 36 والموطأ (ليل) 9 ومسند أحمد ج1 ص220 و278 وج2 ص251 و438 وج5 ص40 و50 وج6 ص36 و73 و104.

([4]) شرح الشفاء للقاري (مطبوع بهامش نسيم الرياض) ج3 ص13.

 
   
 
 

موقع الميزان