صفحة : 28-29  

العشيرة أولاً:

إن دعوة العشيرة الأقربين هو الأسلوب الأمثل لنشر الدعوة، وهو المسار الطبيعي لها في محيطها، ما دام أن دعوة الأقربين هي المتوافقة مع سنة الوفاء، التي تحقق الثبات والقوة، والطمأنينة والثقة في أكثر من اتجاه.

وهي على الأقل تمنحه الفرصة لاكتشاف مواضع القوة والضعف في المداميك الداخلية التأسيسية، ورصد مواضع القوة والصلابة فيها.

ثم هي تعطيه المزيد من الوضوح في نشأة نسيج العلاقات الطبيعية، والإرتباطات المختلفة، فيقدر حركته ومواقفه، واقدامه واحجامه على أساس ذلك..

يضاف إلى ذلك: أن ذلك يظهر للناس كل الناس بالقول والفعل: أنه «صلى الله عليه وآله» يريد هذا الخير لأهله، ولعشيرته الأقربين، وأنه لا يتنازل عن أدنى شيء من ذلك حتى لأقرب الناس إليه، بل هو ـ لو كان الأمر على خلاف ذلك ـ سيتخذ منهم نفس الموقف الذي يتخذه من أي فريق آخر من الناس، وهذا يحتم على الناس كلهم أن يقتنعوا بأنه «صلى الله عليه وآله» منسجم مع نفسه، وملتزم مع ما جاء به. ويريد لأحب الناس إليه أن يكونوا في طليعة المؤمنين بالله، وعلى رأس الدعاة إليه والمضحين بكل غال ونفيس في سبيل الله تعالى، وفي سبيل هذا الدين..

وهذا ما تنبه له نصارى نجران، حين أخرج «صلى الله عليه وآله»، علياً والزهراء والإمامين الحسن والحسين «عليهم السلام» لمباهلتهم.

ومن جهة أخرى، فإن النبي «صلى الله عليه وآله»، كان يعيش في مجتمع يقيم علاقاته على أساس عشائري قبلي.. فحين يريد أن يقدم على مواقف أساسية ومصيرية.. وحين لا يكون هو نفسه يرضى بالاعتماد على القبيلة كعنصر فعال في حماية مواقفه، وتحقيق أهدافه؛ فإن من اللازم: أن يتخذ من ذوي قرباه موقفاً صريحاً، ويضعهم في الصورة الواضحة؛ وأن يهيئ لهم الفرصة ليحددوا مسؤولياتهم، بحرية، وصراحة، وصدق، بعيداً عن أي ضغط وابتزاز، ولو كان هذا الضغط من قبيل العرف القبلي فيما بينهم؛ لأنه عرف مرفوض إسلامياً.

وهنا تبرز واقعية الإسلام في تعامله مع الأمور، وفي معالجته للقضايا، فإنه لا يرضى أن يستغل جهل الناس وبساطتهم، وحتى أعرافهم ـ الخاطئة ـ التي ارتضوها لأنفسهم في تحقيق أهدافه.

وذلك، لأن الإسلام يعتبر الوسيلة جزءاً من الهدف، فلا بد أن تنسجم وتتلاءم معه، كما لا بد أن تنال من الطهر والقداسة بالمقدار الذي يناله الهدف نفسه.

وفقنا الله للسير على هدى الإسلام، والالتزام بتعاليمه؛ إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.

وعلى كل حال، فقد خرج «صلى الله عليه وآله» من ذلك الإجتماع بوعدٍ أكيد من شيخ الأبطح، أبي طالب «عليه السلام» بالنصر والعون؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب اللاإنساني، واللامعقول، قال له:

«يا عورة، والله لننصرنه، ثم لنعيننه!!

يا ابن أخي، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا، حتى نخرج معك بالسلاح»([1]).


 

([1]) تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص27 و 28.

 
   
 
 

موقع الميزان