قد ذكرت بعض
روايات إنذار العشيرة:
أنه
«صلى الله عليه وآله»،
قال: أخي ووصيي، وخليفتي في أهلي..
وفي بعضها
قال:
وخليفتي فيكم.
وفي بعضها
قال:
وخليفتي من بعدي.
ويجب ألا
نستوحش من اختلاف التعابير المنقولة، فإنها تشير إلى أن ثمة من يرغب في
التخفيف من وقع الحدث، وتلافي قسط كبير من الإحراج بسببه.
ولكن التأمل
في هذه النصوص يعطي أن هذا التصرف فيها ليس له تأثير في تحقيق الغرض
الذي توخّوه منها.. لأنه
«صلى الله
عليه وآله»،
قد ذكر وصفين هما الوصاية والخلافة..
مما يعني أن
المقصود بالخلافة معنى آخر غير معنى الوصاية.. وأن موارد إعمال الخلافة
وتأثيرها العملي يختلف عن مورد الوصاية..
فإن كان
المقصود بالخلافة في الأهل هو التكليف برعايتهم وحفظهم، والإهتمام
بشأنهم فنقول:
إذا رجعنا إلى
الواقع الموضوعي، نجد أنه حين إنذار العشيرة لم يكن للنبي أولاد.. أما
حين موته، فقد خلف بنتاً وزوجات..
فان كان «صلى
الله عليه وآله» قد تحدث عن يوم وفاته، لتوقعه ولادة الأولاد له، أو
لعلمه بواسطة الوحي بولادة فاطمة «عليها السلام» وقد قصدها بالفعل هي
وزوجاته.. فإننا نقول:
قد كان لفاطمة
حين وفاة أبيها زوج يقوم بشؤونها، ويهتم بأمرها.. أما الزوجات فلا
يحتجن إلى وصي ولا إلى ولي يلي أمرهن..
ولم تكن مثل
هذه الولاية على الزوجة والبنت محط نظر النبي
«صلى الله
عليه وآله»،
قبل عشرين سنة من وفاته.. ولم يكن حفظ البنت وحفظ الزوجات يحتاج إلى
جمع العشيرة كلها للنظر في ذلك..
كما أنه لم
يجر تقليد بين الناس بتنصيب ولي أو جعل وصي على البنت الكبيرة الرشيدة
المتزوجة، وكذلك الحال بالنسبة للزوجات الكبيرات الراشدات، اللواتي لهن
أهل، وعشائر..
ومن جهة أخرى:
لا ربط بين المعاونة على الدين والمؤازرة عليه، وبين المكافأة بجعل ذلك
الشخص المعين مسؤولاً عن رعاية البنت والزوجة لذلك النبي.. فإن هذا لا
يعد مكافأة لذاك..
على أن منصب
الوصي يكفي في حفظ ورعاية الأهل، فلا حاجة إلى منصب الولاية..
فذلك كله
يدلنا على أن المقصود بالولاية في الأهل معنى الأمارة والسلطة عليهم،
كما أن المقصود بالأهل ليس البنت والزوجة وحسب، إذ أن حاجتهن للإمارة
والسلطنة لا تصل إلى حد عقد اجتماع للعشيرة الأقربين قبل عشرين سنة من
الوفاة.. ثم مقايضة المعاونة على الدين التي تحتاج إلى بذل أنفس
وأموال، والتعرض لأعظم البلايا والرزايا ـ مقايضتها ـ بالسلطنة على
البنت والزوجة!! فإنها مقايضة مضحكة، ومن موجبات الإستخفاف بمن
يطلبها..
كما أن ذلك لا
يمكن أن يبرر نزول آية إنذار العشيرة الأقربين، فإن هذا لا ربط له
بالأنذار. إذ لا معنى لأن يأمره الله بإنذار العشيرة، ثم يكون المطلوب
الحقيقي هو جعل الراعي لشؤون البنت والزوجة..
والنتيجة هي:
أنه لا بد أن يكون المقصود بالأهل هو العشيرة كلها.. ويؤكد ذلك رواية:
«خليفتي فيكم».
ونحن نعلم:
أن الإجماع قائم على أنه لا يجوز أن يوجد خليفتان خاص وعام، بل إن
خلافته الخاصة تقتضي خلافته المطلقة.. فيدلنا ذلك على أنه
«صلى الله
عليه وآله»
قد أراد جعل الخليفة للناس كلهم من بعده..
ويكون قوله:
«فيكم» خطاباً عاماً، أي فيكم أيها المسلمون، أو أيها الناس.. وهذا هو
معنى عبارة «خليفتي من بعدي» أي خليفتي العام عليكم من بعدي أيها
الناس..
ويبقى أن نشير
إلى عدم صحة القول بأن المقصود بالخليفة هو القائم بشؤونهم الدنيوية،
فإن علياً «عليه السلام» لم يكن مسؤولاً عن الشؤون الدنيوية لأي من
الهاشميين..
كما أنه لا
يصح القول بأن المقصود هو الحسنان «عليهما السلام».. لأن الحسنين لم
يكونا قد ولدا بعد، وكذلك أمهما. وقد قلنا: إن الحسنين لهما أب يقوم
بشؤونهما، ويلي أمرهما..
|