هذا.. وفي
الإسلام نظم وسياسات، وجهاد وتضحيات، وفيه مواجهات لأصحاب الأهواء،
ونظام عقوبات. وفيه التحدي للطواغيت، والتصدي للمجرمين وللفاسدين
والمفسدين..
وهذا معناه:
أن الإسلام لا يهدف إلى مجرد تحقيق العدل والمساواة، بل هو يريد أن
يتجاوز ذلك إلى تجسيد المعاني الإنسانية، واظهار كنوز القيم والمثل
العليا، والإرتفاع بهذا الإنسان إلى المستوى الذي يكون جديراً بحمل
الأمانة الإلهية، ونيل منازل الكرامة والزلفى عنده، من خلال جهده
وجهاده، وبذله وتضحياته، وايثاره على النفس وبذل الأموال، والتضحية
بالأنفس من أجل المبادئ والقيم، وفي سبيل الله والمستضعفين..
من أجل ذلك نقول:
إن مهمة
الإسلام عسيرة وشاقة، حيث لا بد أن يهيئ الإنسان الفرد لمواجهة نفسه
الأمارة، ويسيطر على غرائزه وشهواته، ويتحكم باندفاعاته وطموحاته،
ويوجهها في سبل الخير والهدى، وذلك في سياق بناء شخصيته الإنسانية
المثلى والفضلى..
وليصبح هذا
الإنسان الصالح الأداة الفاعلة والمؤثرة في مجال تغيير البنى
الإجتماعية على اختلافها إلى الأمثل والأفضل، سواء أكانت سياسية، أو
اقتصادية، أوتربوية أوغيرها، ويقتلع منها كل جذور الشر، ويستأصل كل
عوامل الإنحراف، وآثاره، ويستعيض عنها بمعاني الخير والصلاح والفلاح..
وقد جهز الله
الإنسان بعوامل داخلية، وهيأ له أخرى خارجية من شأنها لو استفاد منها
أن تمكنه من تحقيق هذه الغايات، وينال تلك المقامات..
ولكن من الواضح:
أن الحاجة إلى مكابدة هذا الجهد، ومعاناة هذا الجهاد تبقى قائمة ما دام
هناك نفس أمارة، وما دام هناك شيطان يغوي، وهوى يردي..
ولأجل ذلك:
سمّى نبي الإسلام هذا بالجهاد الأكبر حين قال للمسلمين العائدين من حرب
بدر: رجعتم من الجهاد الأصغر، وبقي عليكم الجهاد الأكبر..
فلما سئل عن معنى ذلك أخبرهم:
أن جهاد الإنسان مع نفسه وشهواته هو الجهاد الأكبر([1]).
وإذا كان هذا
الصراع مستمراً ما دام هناك انسان على مدى الأزمان، وكان خطر الشذوذ
والإنحراف قائماً أيضاً.. فإن الحاجة إلى الهداية والهيمنة، واستمرار
عملية التزكية والتربية، والتذكير بآيات الله وأيامه، وتعليم احكام
الشريعة، وبيان حقائقها، واشاعة مفاهيمها، والعمل على الزام الناس بها،
والرقابة المستمرة، وأخذ الناس بذنوبهم ومخالفاتهم، إن الحاجة إلى ذلك
تبقى قائمة أيضاً..
ومن هنا تبرز
الحاجة إلى الوصي، والإمام، والحافظ للأمانة، والناصر والولي، والخليفة
للرسول النبي «صلى الله عليه وآله».
فكان أن اختار
الله تعالى علياً ولياً، وإماماً، ووصياً، ونصبه رسول الله «صلى الله
عليه وآله» علماً، ورائداً وهادياً، واماماً وخليفة وقائداً..
ولعل أول
تنصيب علني عام له «عليه السلام» كان في مناسبة إنذار النبي «صلى الله
عليه وآله» عشيرته الأقربين.
([1])
راجع: بحار الأنوار ج 64 ص 360
وتفسير السلمي ج 2 ص 28 ومفردات غريب القرآن للراغب الأصفهانى
ص 537 والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية
الأندلسي ج 4 ص 326 وتفسير الثعالبي ج 4 ص 304 والفتوحات
المكية لابن عربي ج 1 ص 564.
|