العنوان

   

صفحة : 141-142  

أمر رسول الله صلى الله عليه وآله:

إن أول ما يطالعنا في هذا الحدث الفريد: أن النبي «صلى الله عليه وآله» اكتفى بإخبار علي «عليه السلام» بمكر قريش، ثم أمره بأن يتغشى ببرده، وينام في فراشه، ولم يترك الخيار في ذلك.

ولا ريب في أنه «صلى الله عليه وآله»، لم يفعل ذلك من عند نفسه، بل هو هنا ينفذ أمر الله تعالى، فإن أوامر النبي «صلى الله عليه وآله» تارة تكون على أساس القاعدة التي أوحاها الله إليه.. كما لو أمره بإقامة الحجة على عدوه قبل الحرب، فإن كان هناك خطورة يتعرض لها من يريد أن يكلفه بذلك، فإنه لا يجبره على هذا الأمر، بل يترك الخيار له في أن يقبل أو لا يقبل، لأنه يريد منه أن يقدم على ذلك متقرباً إلى الله تعالى، حتى إذا أصابه سوء كان مثاباً عليه، وإن قتل كان شهيداً..

أما لو أجبره على ذلك، وقتل، فقد لا يكون شهيداً، لأنه لم يقصد التقرب إلى الله تعالى فيما أقدم عليه..

ولأجل ذلك نلاحظ: أنه «صلى الله عليه وآله» حين أراد أن يرسل رسولاً إلى أهل مكة عام الحديبية عرض الأمر على عمر، فرفض قبوله، بحجة أن بني عدي لا ينصرونه لو أرادته قريش بسوء. ورضي عثمان بذلك ثقة منه بعدم إقدام قريش على أذاه.

كما أن علياً «عليه السلام» حين أراد في حرب الجمل أن يرسل مصحفاً إلى عائشة وأصحابها ليدعوهم إلى ما فيه، وهو مقتول. طلبه فتى من أهل الكوفة، فأعرض عنه علي «عليه السلام».

ثم قال: من يأخذ هذا المصحف، يدعوهم إلى ما فيه، وهو مقتول.

فقال ذلك الفتى: أنا.

فدفعه إليه، فدعاهم، فقطعوا يده اليمنى، فأخذه باليسرى، فقطعوا يده اليسرى، فأخذه بصدره، والدماء تسيل على قبائه، فقتل «رحمه الله».

فقال علي «عليه السلام»: الآن حل قتالهم([1]).

كما أنه «صلى الله عليه وآله» كان يستشير في أمر الحرب، كما ذكرناه في واقعة أحد في الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله»، فراجع.

وبالعودة إلى حديث الغار نقول:

إننا نلاحظ: إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر علياً «عليه السلام» أمراً جازماً بأن يتغشى ببرده، وينام في فراشه.. ولم يعطه أية فرصة لإبداء رأيه، أو للتعبير عن رغبته..

فهل لأن الأمر قد جاءه من الله تعالى باتاً وقاطعاً، فأبلغه إلى علي «عليه السلام» كما هو؟! مع علمه بانقياد علي «عليه السلام» لأمر الله تبارك وتعالى، بدون سؤال؟!

أم أنه كان يعلم بأن علياً «عليه السلام» ليست له رغبة بغير نجاة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو خياره الأول والأخير، حتى لو أن الأمر لم يكن محتماً ولا باتاً، بل حتى لو لم يكن هناك أمر أصلاً، فإن احتمال النجاة للنبي يحتم على علي «عليه السلام» الإقدام على التضحية بنفسه، بكل سعادة ورضا؟!

إننا نرى أن هذا الأمر الأخير هو الأقرب إلى الواقع، ويشهد لذلك: أن علياً «عليه السلام» قد سأل النبي «صلى الله عليه وآله» سؤالاً واحداً، ولم يزد عليه، وهو أنه «صلى الله عليه وآله» هل يسلم بذلك؟! فلما أجابه بالإيجاب فرح وضحك، وسجد لله شكراً.. ولم يسأل مثلاً عما مصيره هو، أو عما يجري عليه..


 

([1]) تاريخ الأمم والملوك (ط الإستقامة و الأعلمي) ج3 ص522 والمناقب للخوارزمي ص186 والجمل ص339 وتذكرة الخواص ص71 و 72 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص112 وبحار الأنوار ج32 ص174 والكامل في التاريخ ج2 ص261 و 262 و 529 وشرح الأخبار ج1 ص394 وأنساب الأشراف ج1 ص241 ومروج الذهب ج2 ص370 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص537 ووقعة الجمل للغلابي البصري ص37 و 38 ونهج السعادة ج2 ص388 وأعيان الشيعة ج1 ص457 و 524 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص440.

 
   
 
 

موقع الميزان