صفحة : 135-140  

حديث الهجرة:

اجتمعت قريش في دار الندوة، واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فاختاروا عشرة أو خمسة عشر رجلاً، من كل قبيلة من قريش ـ وكانوا عشر أو خمس عشرة قبيلة أو أكثر ـ ليبِّيتوا النبي «صلى الله عليه وآله» بضربة واحدة من سيوفهم.

فأخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأخبر «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» بمكر قريش، وأمره أن يتغشى ببرده الحضرمي، وينام في فراشه.

فقال علي «عليه السلام»: أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟!

قال: نعم.

فتبسم علي «عليه السلام» ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله.

فنام على فراشه، واشتمل ببرده الحضرمي، وخرج النبي «صلى الله عليه وآله» في فحمة العشاء، والرصد قد أطافوا بداره ينتظرون، وهو يقرأ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ([1]) وذهب «صلى الله عليه وآله» إلى الغار.

وقالوا: إن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين «عليه السلام» نائم، فخاطبه، وهو يحسبه نبي الله، فقال له علي: إن نبي الله انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه([2]).

قالوا: وجعل المشركون يرمون علياً «عليه السلام» بالحجارة، كما كانوا يرمون رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهو يتضور (أي يتلوى ويتقلب)، وقد لف رأسه في الثوب، لا يخرجه حتى أصبح.

فهجموا عليه.

فلما بصر بهم علي «عليه السلام» قد انتضوا السيوف، وأقبلوا عليه، يقدمهم خالد بن الوليد، وثب له علي «عليه السلام» فختله، وهمز يده، فجعل خالد يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، وأخذ من يده السيف، وشد عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار، وتبَصّروه، فإذا هو علي، قالوا: وإنك لعلي؟!

قال: أنا علي.

قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟!

قال: لا علم لي به([3]).

فأسرعوا إلى قومهم فأخبروهم، فهبت قريش لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وأذكوا العيون، وركبوا في طلب النبي «صلى الله عليه وآله». وكان في الغار، وواصلوا اقتفاء أثره إلى قرب باب الغار، فوجدوا العنكبوت قد نسجت على بابه، وباضت في مدخله حمامة وحشية، وغطته أغصان شجرة([4]) فرجعوا عنه.

وأمهل أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الليلة التالية، فانطلق ليلاً هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا الغار على رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فأمر الرسول الأعظم هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين، ترتحلهما إلى يثرب.

فقال: إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.

قال: فهي لك بذلك.

فأمر علياً «عليه السلام» فأقبضه الثمن([5]).

ثم أوصاه «صلى الله عليه وآله» بحفظ ذمته، وأداء أماناته، وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي «صلى الله عليه وآله»، ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم.

وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً: من كان له قبل محمد أمانة فليأت، فلنؤد إليه أمانته..

وقال «صلى الله عليه وآله» لعلي آنئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عنه «صلى الله عليه وآله»: إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً.

ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما([6]).

فأمر «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» أن يبتاع رواحل له وللفواطم، ومن أزمع الهجرة من بني هاشم([7]).

وقال أمير المؤمنين «عليه السلام» يذكر مبيته على الفراش، ومقام رسول الله «صلى الله عليه وآله»:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى           ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجْرِ

محـمـد لمـا خـاف أن يمـكـروا بـه                        فـوقّـاه ربي ذو الجـلال من المــكر

وبـت  أراعـيـهـم متى يأسـرونني                        وقد وطنت نفسي على القتل والأسر

وبات رسـول الله في الـغـار آمـنـاً                        هنـاك وفي حـفـظ الإلـه وفي  ستر

أقـام ثـلاثـاً ثم زمـت  قــلائـص          قلائص يفرين الحصا أيما يفري([8])

ونقول:

إن لنا مع ما تقدم العديد من الوقفات، نذكر منها ما يلي:


 

([1]) الآية 9 من سورة يس.

([2]) راجع ما تقدم في المصادر التالية: المناقب للخوارزمي الحنفي ص73 والمستدرك للحاكم ج3 ص133 وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه، ومسند أحمد ج1 ص321 وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص34 وشواهد التنزيل ج1 ص99 و 100 و 101 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص100 والبرهان ج1 ص207 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص30 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي (ط النجف) ص63 والسيرة الحلبية ج2 ص35 ومجمع الزوائد ج9 ص120 عن أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة، وعن الطبراني في الكبير والأوسط، وبحار الأنوار ج19 ص60 و 78 و 93 عن الطبري وأحمد، والعياشي، وكفاية الطالب، وفضائل الخمسة ج1 ص231 وذخائر العقبى ص87 وكفاية الطالب ص242. وقال: إن ابن عساكر ذكره في الأربعين الطوال، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام»، من تاريخ ابن عساكر (تحقيق المحمودي) ج1 ص186 و 190 ونقله المحمودي في هامشه عن: الفضائل لأحمد بن حنبل، حديث291 وعن غاية المرام ص66 عن الطبراني ج3 في الورق 168/ب وفي هامش كفاية الطالب عن: الرياض النضرة ج2 ص203. وأما الفقرات الأخرى فهي موجودة في مختلف كتب الحديث والتاريخ. وراجع: حلية الأبرار ج1 ص144 والميزان ج9 ص81 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 والأمالي للطوسي ص466 ومستدرك الوسائل ج5 ص155 و 465 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص475 وكشف الغمة ج2 ص30.

([3]) أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص82 و 83 و (ط دار الثقافة) ص467 وبحار الأنوار ج19 ص61 و 62 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 وحلية الأبرار ج1 ص145 وج2 ص108.

([4]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص37 والبداية والنهاية ج3 ص181 و 182 والدرر لابن عبد البر ص81 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص144 والمحرر الوجيز ج3 ص35 والشفا للقاضي عياض ج1 ص313 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص39 وتفسير السمعاني ج2 ص311.

([5]) راجع: بحار الأنوار ج19 ص62 والأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص467 ووفاء الوفاء ج1 ص237 والدرجات الرفيعة ص411 وحلية الأبرار ج1 ص146 والميزان ج9 ص81 وكشف الغمة ج2 ص31.

([6]) الأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص468 وحلية الأبرار ج1 ص147 وبحار الأنوار ج19 ص62 والميزان ج9 ص82 والدرجات الرفيعة ص411 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 وكشف الغمة ج2 ص32.

([7]) الأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص468 وحلية الأبرار ج1 ص147 وبحار الأنوار ج19 ص62 والميزان ج9 ص82 والدرجات الرفيعة ص411 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 وكشف الغمة ج2 ص32. والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص205 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص289 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص626.

([8]) كشف الغمة ج2 ص32 والميزان ج9 ص82 وحلية الأبرار ج1 ص148 وج2 ص115 والأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص468 وبحار الأنوار ج19 ص63 وج34 ص413 وج36 ص46 وج38 ص292 والدرجات الرفيعة ص411 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 552 ومناقب الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ج1 ص124 والفصول المختارة ص59 والتعجب للكراجكي ص123 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص335 وشجرة طوبى ج2 ص237 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص457 وج6 ص557 والمستدرك للحاكم ج3 ص4 وشواهد التنزيل ج1 ص131 و 132 والدر المنثور ج3 ص180 وتفسير الآلوسي ج9 ص198 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص26 والمناقب للخوارزمي ص127 ونهج الإيمان ص309 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص233 وينابيع المودة لذوي القربى ج1 ص273 وتذكرة الخواص ص35 وغاية المرام ج4 ص18 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص120 وج20 ص110 وج22 ص558 وج30 ص115 و 594.

 
   
 
 

موقع الميزان