قريش وعلي عليه السلام

   

صفحة : 140-150  

قريش وعلي عليه السلام:

1 ـ والملاحظ هنا: أن قريشاً لم تصر على أمير المؤمنين في استنطاقها له عن مكان ابن عمه.

وذلك لأنهم علموا: أنهم إنما يحاولون عبثاً، ويطلبون مستحيلاً، فإن من كان يحمل مثل هذا الإخلاص، ومثل هذه التضحية النادرة في التاريخ، لن يفشي لهم سراً قد ضحى بنفسه في سبيل كتمانه، لذلك نراهم قد أطلقوه وانصرفوا عنه يائسين([1]).

2 ـ لقد كان علي «عليه السلام» في موقفه هذا تجاه النبي «صلى الله عليه وآله» مثلاً أعلى للإنسانية الكاملة، فقد عرف الناس به معنى الإخلاص، وماهية التضحية، وحقيقة الإيمان.

حيث إنه يرى نفسه مقتولاً على كل حال، إما لظن المشركين أنه رسول الله، فيخبطوه بأسيافهم ضربة رجل واحد، وإما انتقاماً منه، حيث كان سبباً لخلاص من سفه أحلامهم، وعاب آلهتهم، وفرق جماعتهم، وهم يعرفون أيضاً حب النبي «صلى الله عليه وآله» له ومنزلته منه، فإذا قتلوه فإنما يقتلون أخاه وابن عمه، والرجل المخلص الذي يفديه بنفسه([2]).

وأما انصرافهم عنه، بعد ظهور الأمر، فهو إما خوفاً منه، بعد أن رأوا ما فعله بخالد، وإما من أجل توفير الفرصة للبحث عن غريمهم الأصلي والأهم بالنسبة إليهم.

وهنا اشكال يورده خصوم علي «عليه السلام»:

وهو أنه إذا كان علي «عليه السلام» يعلم بأن حديث الدار يدل على أنه «عليه السلام» لن يقتل في هذه الحادثة، بل سوف يعيش إلى ما بعد الرسول «صلى الله عليه وآله»، ليكون وصيه وخليفته من بعده، فلا تبقى له فضيلة في مبيته على فراش النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الهجرة.

والجواب:

أولاً: إن ذلك لا يمنع من حصول البداء في هذا الأمر.  وبعبارة أخرى ان هذا الأمر خاضع للوح المحو والإثبات، والله يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فهو يخضع لشروط ويحتاج إلى فقد موانع ترجع إلى الإختيار: منها، ما صرح به النبي «صلى الله عليه وآله»، وهو المؤازرة والاستمرار والثبات عليها والإخلاص لله فيها..

ثانياً: إن ذلك لا يمنع من تعرضه «عليه السلام» للجراح، وقطع الأعضاء، والأسر والتعذيب البالغ.

وهو أمر يخشاه الناس، ويتجنبونه.. إن نوم علي «عليه السلام»، على فراش الرسول «صلى الله عليه وآله»، في ظل هكذا ظروف حتى لو اخبره النبي «صلى الله عليه وآله»، بأنه سوف يسلم يعبر عن ايمان عميق وثقة بالله ورسوله وأنه في أعلى درجات اليقين، وإلا فهذا أبو بكر مع علمه بأن الله سيحفظ نبيه وسيظهره على الدين كله لم يمنعه ذلك من إظهار الجزع الشديد والحزن مع ما رآه من آيات ومعجزات، وكذلك الكثير من الناس يعلمون أن الميت في قبره لا يملك أي ضر أو نفع ولكنهم يخافون من النوم بين المقابر، وما ذلك إلا لضعف اليقين والإيمان لديهم، وذلك ظاهر.

وقد تقدم قول علي «عليه السلام»: في شعره:

وقد وطنت نفسي على القتل والأسر           ........

وسيأتي بعض ما يرتبط بذلك إن شاء الله..


 

([1]) راجع: حياة أمير المومنين «عليه السلام» ص105 و 106.

([2]) المصدر السابق ص107 و 108.

 
   
 
 

موقع الميزان