واستمر رسول
الله «صلى الله عليه وآله» في هجرته المباركة حتى قرب من المدينة، فنزل
بادئ ذي بدء في قباء، في بيت عمرو بن عوف، فأراده أبو بكر على دخول
المدينة، وألاصه فأبى،
وقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي وأخي، وابنتي،
يعني علياً وفاطمة «عليهما السلام»([1]).
فلما أمسى
فارقه أبو بكر، ودخل المدينة، ونزل على بعض الأنصار، وبقي رسول الله
بقباء، نازلاً
على كلثوم بن الهدم([2]).
ثم كتب رسول
الله «صلى الله عليه وآله» إلى أخيه علي «عليه السلام» كتاباً
يأمره بالمسير إليه، وقلة التلوم. وأرسل الكتاب مع أبي واقد الليثي.
فلما أتاه
كتاب النبي «صلى الله عليه وآله» تهيأ للخروج والهجرة، فأعلم من كان
معه من ضعفاء المؤمنين، وأمرهم أن يتسللوا، ويتخفوا تحت جنح الليل إلى
ذي طوى، وخرج «عليه السلام» بفاطمة بنت الرسول، وأمه فاطمة بنت أسد بن
هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وتبعهم أيمن ابن أم أيمن مولى
رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأبو واقد، فجعل يسوق بالرواحل فأعنف
بهم، فأمره «عليه السلام» بالرفق، فاعتذر بخوفه من الطلب.
فقال أمير المؤمنين
«عليه
السلام»:
إربع
عليك، فإن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لي: (أي حين سفره من
الغار كما تقدم) يا علي أما إنهم لن يصلوا من الآن
إليك
بأمر
تكرهه.
وأدركه الطلب
قرب ضجنان، وهم سبع فوارس متلثمون، وثامنهم مولى للحارث بن أمية، يدعى
جناحاً.
فأنزل
علي «عليه السلام» النسوة، وأقبل على القوم منتضياً
السيف، فأمروه بالرجوع، فقال: فإن لم أفعل؟!
قالوا:
لترجعن راغماً،
أو لنرجعن بأكثرك شعراً، وأهون بك من هالك.
ودنا الفوارس
من المطايا ليثوروها، فحال علي «عليه
السلام»
بينهم وبينها، فاهوى جناح بسيفه، فراغ علي «عليه السلام» عن ضربته،
وتختله علي «عليه السلام» فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضياً
فيه، حتى مس كاثبة فرسه، وشد عليهم بسيفه، وهو يقول:
خـلــوا
سبيل الـجاهـد
المجـاهــد
آلـيـت
لا أعـبـد
غـيـر
الـواحــد
فتصدع القوم عنه، وقالوا:
أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب.
قال:
فإني منطلق
إلى ابن عمي رسول الله بيثرب، فمن سره أن أفري
لحمه، وأهريق دمه، فليتبعني، أو فليدن مني،
ثم أقبل على صاحبيه، فقال لهما: أطلقا مطاياكما.
ثم سار ظاهراً
حتى نزل بضجنان، فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين
من المؤمنين، وفيهم أم أيمن مولاة الرسول «صلى الله عليه وآله» فعبدوا
الله تلك الليلة قياماً
وقعوداً
وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر، فصلى بهم علي «عليه السلام» صلاة الفجر ثم
سار بهم، فجعلوا يصنعون ذلك في كل منزل، حتى قدم المدينة، وقد نزل
الوحي بما كان من شأنهم
قبل قدومهم.
﴿الَّذِينَ
يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ
وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَآ مَا
خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً..﴾.
إلى قوله:
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ
أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى..﴾([3]).
ولما بلغ النبي «صلى الله عليه وآله» قدومه «عليه السلام»، قال: ادعوا
لي علياً.
قيل:
يا رسول الله،
لا يقدر أن يمشي.
فأتاه
«صلى الله عليه وآله» بنفسه، فلما رآه اعتنقه، وبكى رحمة لما بقدميه من
الورم، وكانتا تقطران دماً.
وقال «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»:
يا
علي، أنت أول هذه الأمة إيماناً بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله
ورسوله، وآخرهم عهداً
برسوله،
لا يحبك ـ والذي نفسي بيده ـ إلا مؤمن قد امتحن قلبه للإيمان
ولا يبغضك إلا منافق أو كافر([4]).
وهذه الرواية تضع علامة استفهام على من هاجر قبله إلى المدينة مع
الرسول.
ونقول:
([1])
راجع: الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص35 و (ط دار الحديث)
ج1 ص302 من دون ذكر للاسم، وأمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83 و (ط
دار الثقافة) ص469 وإعلام الورى ص66 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1
ص153 وحلية الأبرار ج1 ص149 و 158 و 159 وبحار الأنوار ج19 ص64
و 106 و 115 و 116 وج22 ص366 وج55 ص367 والخرائج والجرائح ج1
ص150 والدرجات الرفيعة ص411 وأعيان الشيعة ج1 ص238 و 376 وكشف
الغمة ج2 ص32 والكافي ج8 ص339 و 340 ومختصر بصائر الدرجات ص129
و 130 ومستدرك الوسائل ج16 ص23 وجامع أحاديث الشيعة ج4 ص86
وج19 ص417 والمحتضر للحلي ص106 وكتاب الأربعين للماحوزي ص328
واللمعة البيضاء ص641 ونفس الرحمن للنوري ص99 وقصص الأنبياء
للراوندي ص335.
([2])
إعلام الورى ص66 و (ط مؤسسة أهل البيت) ج1 ص152 وبحار الأنوار
ج19 ص106 عنه.
([3])
الآيات 191 ـ 195 من سورة آل عمران.
([4])
راجع فيما ذكرناه: أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص83 ـ 86 و (ط
دارالثقافة) ص472 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص183 و 184 و (ط
المكتبة الحيدرية) ج1 ص160 وحلية الأبرار ج1 ص152 و 153 وبحار
الأنوار ج19 ص64 ـ 67 و 85 وكشف الغمة ج2 ص33 وتأويل الآيات ج1
ص127 والبرهان ج1 ص332 و 333 عن الشيباني في نهج البيان، وعن
الإختصاص للشيخ المفيد، وإعلام الورى ص190 وإمتاع الأسماع
للمقريزي ج1ص48
وتاريخ
مدينة دمشق ج42 ص69 وأسد الغابة ج4 ص19 وأعيان الشيعة ج1 ص377
وفضائل أمير المؤمنين «عليه السلام» للكوفي ص180 وشرح إحقاق
الحق (الملحقات) ج7 ص51 وج8 ص341 وج18 ص68 وج21 ص293 وج30 ص14.
|