صفحة : 38-39   

فداها أبوها:

ومما يدخل في سياق الحديث عن الحجاب، وفاطمة وعلي «عليهما السلام» ما روي من أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال لفاطمة «عليها السلام»: أي شيء خير للمرأة؟

قالت: أن لا يراها رجل.

فضمها إليه، وقال: ذرية بعضها من بعض([1]).

وفي نص آخر: أن النبي «صلى الله عليه وآله» سأل أصحابه هذا السؤال، قال علي: فعيينا بذلك كلنا حتى تفرقنا..

ثم ذكر: أنه «عليه السلام» رجع وسأل فاطمة عن ذلك.. فأجابته بما تقدم، فرجع إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فأخبره.

ونقول:

قد يعترض على هذه الرواية بأن علياً باب مدينة علم الرسول، وهو أعلم بطرق السماء منه بطرق الأرض، وما صب الله شيئاً من العلم في صدر رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلا صبه في صدر علي «عليه السلام»، فكيف يعجز عن الإجابة على هذا السؤال، وتجيب عنه فاطمة «عليها السلام»، وهو إمامها، وأعلم منها؟!.

ونجيب:

إن النبي «صلى الله عليه وآله» وعلياً «عليه السلام» كانا يريدان إظهار فضل فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، وتعريف الناس بعلمها، وبطهر ضميرها، وبطريقة تفكيرها.

ويشير إلى ذلك نفس سؤال النبي «صلى الله عليه وآله» لهم، إذ لا شك في أنه «صلى الله عليه وآله» كان عارفاً بجواب السؤال..

وبذلك يظهر: أن علياً «عليه السلام» لم يكن مكلفاً بالجواب..

أما قوله «عليه السلام»: «فعيينا بذلك كلنا، حتى تفرقنا»، فالمقصود به: المسؤولون الحقيقيون الحاضرون.. فهو كقوله «عليه السلام»: كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله «صلى الله عليه وآله».. فإنه «عليه السلام» لم يكن يفر من وجه عدوه.. وإنما أجرى الكلام على هذا النحو لحفظ ماء وجه الناس، إذ لا يليق أن يخصهم بالذكر، لأن ذلك قد يؤذي مشاعر بعضهم، حين يتوهم أنه «عليه السلام» يريد أن يرميهم بالجبن والخور.

فهو كقول القائل: أهل البلد الفلاني كرماء أو شجعان، فانه لا يعني: أنه لا يوجد في ذلك البلد أي بخيل أو جبان، بل المقصود: أن الأكثرية الساحقة كرماء وشجعان، وتنزيل الفرد النادر منزلة العدم، أي كأنه غير موجود.. شائع في المحاورات.

هذا كله، مع قيام احتمال أن تكون كلمة «كلنا حتى تفرقنا» من زيادات الراوي أضافها لحاجة في نفس يعقوب.


 

([1]) هذا الحديث مروي عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن الإمام الصادق «عليه السلام»، وعن علي «عليه السلام»، فراجع نصوصه هذه في: بحار الأنوار ج43 ص84 و 54 وج100 ص239 وج 101 ص36 ووسائل الشيعة ج20 ص232 و 67 وإحقاق الحق ج9 ص202 و 203 عن البزار وج10 ص224 و 226 عن مصادر كثيرة. وراجع: مجمع الزوائد ج4 ص255 وج9 ص203 وكشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص235 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3 ص153 و 54 عن كنز العمال ج8 ص315. وراجع: الكبائر للذهبي ص176 ودعائم الإسلام ج2 ص124 و 215 و 214 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) ص171 و 172 و 191 وكشف الغمة ج2 ص92 ومكارم الأخلاق ص233 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص119 وعوالم العلوم ج11 ص197 ومقتل الحسين XE "الإمام الحسين"  للخوارزمي ج1 ص62 وحلية الأولياء = = ج2 ص41 ومناقب الإمام علي «عليه السلام» لابن المغازلي ص381 ومناقب أمير المؤمنين علي «عليه السلام» للقاضي محمد بن سليمان الكوفي ج2 ص210 و 211 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 قسم3 ص14 عن المناقب. والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة ص31. وثمة مصادر كثيرة أخرى ذكر شطراً منها في كتاب عوالم العلوم. وغيره من كتب الحديث والسيرة والتاريخ.

 
   
 
 

موقع الميزان