صفحة : 196-198   

السيف لأبي دجانة :

وذكروا: أنه «صلى الله عليه وآله» أخذ سيفاً، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فطلبه الزبير، وغيره، وفي نصوص أخرى: طلبه أبو بكر وعمر ، وتضيف رواية الينابيع: علياً «عليه السلام».. فلم يعطهم إياه.

فسأله أبو دجانة : ما حقه؟!

فقال: أن تضرب به العدو حتى ينحني.

فطلبه منه، فأعطاه إياه، فجعل يتبختر بين الصفين.. إلخ..([1]).

ونقول:

نحن لا ننكر وجود شجعان في جيش المسلمين الذين حضروا حرب أحد وغيرها، ولكننا نشك كثيراً في صحة هذه الرواية عن أبي دجانة ، لأكثر من سبب:

أولاً: إن الطريقة التي تدعي هذه الرواية أن النبي «صلى الله عليه وآله» إتبعها في هذه القضية غير مفهومة لنا.. فإن قوله: من يأخذ هذا السيف بحقه، يقتضي أن يعطيه لأول شخص يطلبه. إلا إذا كان فراراً في المواطن، وقد أثبتت المواقف المختلفة جبنه وأنه ليس من أهله، ولا يأخذه بحقه.

ولكن الطريقة المنسوبة للنبي «صلى الله عليه وآله» لم تكن كذلك، بل يبدوا أنه قد أراد أن يعطي ذلك السيف لشخص أو لأشخاص، كان قد عيّنه واختاره، أو عينهم واختارهم لها مسبقاً..

ثانياً: لو صح أنه «صلى الله عليه وآله» منعهم ذلك السيف لجاز لهم الإعتراض «صلى الله عليه وآله» بالقول: بأي حق توجه إلينا هذه الإهانة، ونحن لم نقترف ذنباً؟! ولماذا تستدرجنا إلى هذا الإمتحان غير المنصف الذي أدنتنا وأسقطتنا وأهنتنا فيه قبل أن تعطينا الفرصة للتصرف، لترى كيف تكون حالنا فيه؟!

فما هذه المفارقة الغريبة، وما هذا التصرف غير المنصف، الذي نسبوه إلى النبي المعصوم، وهو أشرف الخلق، وأكرم البشر على الله سبحانه؟!

ثالثاً: إن ذكر علي «عليه السلام» في هذه الرواية لا مبرر له، لأن النصر الذي تحقق في حرب أحد ـ كما في حرب بدر ـ إنما تحقق على يد علي «عليه السلام».. كان ما جرى في بدر يكفي لإعطاء الإنطباع الواضح عما لعلي «عليه السلام» أن يفعله في ذلك السيف، وعن أنه هو الوحيد القادر على أن يأخذه بحقه، دون كل أحد.. فلماذا يمنعه وقد طلبه منه؟!

فالمطلوب من حشر إسم علي «عليه السلام» بين هؤلاء هو التغطية على فرار الزعماء الذين تمكنوا من استلاب الخلافة من صاحبها الشرعي بعد إستشهاد رسول الله«صلى الله عليه وآله».

فلو فرض أن لهذه القضية أصلاً، فلا بد:

أولاً: أن يكون قد أعطاه لأبي دجانة مباشرة، أي من دون أن يقول: من يأخذ هذا السيف بحقه.. أي أنه «صلى الله عليه وآله» أخذه وأعطاه إياه وشرط عليه أن يؤدي حقه..

ثانياً: لا بد أن نستبعد علياً «عليه السلام» عنها، لأنه «عليه السلام» كان يعلم أنه ليس هو المقصود للنبي «صلى الله عليه وآله».. وأن ندرك أن حشر إسمه الشريف هنا إنما هو لأجل التغطية على غيره..

وهناك تفاصيل ومناقشات أخرى لهذه الرواية المزعومة، ذكرناها في كتابنا الصحيح من سيرة النبي «صلى الله عليه وآله» (الطبعة الخامسة) ج5 ص126 ـ 129. فمن شاء فاليرجع إليه.


 

([1]) راجع نصوص هذه الرواية المختلفة في: لباب الآداب ص176 وتاريخ الخميس ج1 ص424 و 425 وشرح الأخبار ج1 ص273 والمستدرك للحاكم ج3 ص230 والثقات لابن حبان ج1 ص225 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص195 والكامل في التاريخ ج2 ص152 وأسد الغابة ج5 ص184 وسير أعلام النبلاء ج1 ص244 والإصابة ج7 ص100 والمعارف لابن قتيبة ص159 ومجمع الزوائد ج6 ص109 والسيرة الحلبية ج2 ص222 و 223 و 225 و (ط دار المعرفة) ج2 ص497 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص257 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة)    ج10 ص430 وإمتاع الأسماع ج1 ص159 والسيرة النبوية لابن إسحاق ج3 ص305 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص587 وعيون الأثر ج1 ص413 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص30 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص192 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص171 والبداية والنهاية ج4 ص16 و 17 وفيهما ذكر عمر والزبير، ومغازي الواقدي ج1 ص259 وحياة الصحابة ج1 ص575 ـ 577 عن غير واحد، وينابيع المودة، إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتعدادها.

 
   
 
 

موقع الميزان