وقد عبر علي
«عليه السلام» عن حسرته، لأنه حرم الشهادة، فكيف نوفق بين هذا وبين جعل
النبي«صلى الله عليه وآله» إياه وصياً له من بعده.
ونجيب:
أولاً:
إن من الجائز أن يكون مراده «عليه السلام» بقوله: «كيف حرمت الشهادة»؟!
هو إظهار أن الجراح التي نالته من شأنها أن تودي به إلى الموت. فهو
يتعجب من بقائه حياً، وقد أصابته كل هذه الجراح المميتة!!
وكأن ذلك يعني:
أن الله سبحانه قد أناله ثواب الشهادة مرات ومرات، لأن ما يتعرض له من
آلام الجراح يفوق ما يتعرض له الذين يستشهدون أضعافاً مضاعفة.
ثانياً:
قد يحلو للبعض أن يجيب، وإن كنا لا نوافقه على ذلك، لعدم قيام دليل
صالح عليه، بل قد نجد شواهد عديدة على خلافه: بأن قانون البداء جار في
الأمور، فإن لم يجر في الإمامة نفسها، باعتبارها من الميعاد، والله لا
يخلف الميعاد.. فلعله يجري في شخص الإمام، فإن صح هذا، فما الذي يمنع
من أن يتعامل علي «عليه السلام» مع إمامة نفسه، وبقائه بعد رسول الله
«صلى الله عليه وآله» على أساس الخضوع لقانون البداء، الذي تجري عليه
حركة البشر وحياتهم، ويكون نفس حفظه للدين، وكسر شوكة أهل الشرك والكفر
بهذا المقدار كاف في نيله «عليه السلام» لمقامات القرب والزلفى عند
الله تعالى؟!
ولا دليل على
أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان قد أخبره بما في اللوح المحفوظ
المطابق لعلمه تعالى، من حتمية بقائه إلى ما بعد وفاة الرسول..
فلعل الله
تعالى أراد أن يحجب هذه المعرفة عنه في خصوص هذا المورد، لينيله ثواب
الجهاد، وحب الإستشهاد بأسمى معانيه وأسناه وأغلاه..
وربما تكون
هناك مصالح أخرى هامة وعظيمة أخرى، لا تنالها أوهامنا تقضي بحجب
المعرفة بخصوص هذا الأمر!!
|