صفحة : 21   

الغطرسة القرشية، والحكمة المحمدية:

وعن علي «عليه السلام» قال: «فقدمت قريش ، فأقامت على الخندق محاصرة لنا، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» يدعوها إلى الله عز وجل، ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً»([1]).

ونقول:

ليس غريباً على قريش هذا العتو، وهذه الغطرسة، ما دامت تقيس الأمور بمقاييس مادية، وترى القوة في أنفسها، والضعف في المسلمين، الذين جاءت لاستئصالهم، وإبادة خضرائهم، ولكن هذا العتو وتلك الغطرسة سرعان ما تلاشت، ليحل محلها الضعف والخنوع، والخيبة القاتلة، كما سنرى.

وليس غريباً أيضاً: أن نجد النبي «صلى الله عليه وآله» ومن موقع الشعور بالمسؤولية يعتمد الأسلوب الإنساني، ويستثير العاطفة الناشئة عن صلات القربى ولحمة النسب، والتي تكون لها هيمنة حقيقية على الإنسان، ولا بد أن تجتاح لمعاتها وهزاتها الجامحة كل كيانه، وكل وجوده. ثم هو «صلى الله عليه وآله» يقرن ذلك بالدعوة إلى الله عز وجل، الذي هو مصدر الخير والقوة والبركات.

وحين لا تستجيب لداعي الرحم، ولا لداعي الله، وتصرّ على الإستجابة للهوى وللشيطان، فلا يبقى خيار سوى التصدي لها، وإسقاط هذا العنفوان الرديء والرذل، وتمريغ أنفها برغام الذلة والخزي والهوان.. وهكذا كان.


 

([1]) الخصال ج2 ص68 باب السبعة، و (ط مركز النشر الإسلامي) ص368 وبحار الأنوار ج20 ص244 وج38 ص170 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص125 وحلية الأبرار ج2 ص363 وغاية المرام ج4 ص319.

 
   
 
 

موقع الميزان