وتقدم أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال:
«من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي»..
فقد دلت هذه
الكلمة على أمور، وهي:
ألف:
الأخبار عن فشل المشركين في معركتهم، لأن الإسلام سيبقى إلى ما بعد
إستشهاد الرسول «صلى الله عليه وآله»، وإن الإمامة ستكون من بعده..
والمقصود بالإمامة:
هو معناها الشرعي الحقيقي، لأنه هو الذي يجعله النبي «صلى الله عليه
وآله» لهذا أو لذاك من بعده. وهذا الجعل النبوي لا يعني التخلي عما جرى
في يوم إنذار عشيرته الأقربين، بل هو يؤكده، لأنه كان يعرف أصحابه،
ويعرف أن الإمام الحقيقي هو الذي يضحي بنفسه إلى هذا الحد.
ب:
إنه «صلى الله عليه وآله» لم يعط الإمامة لمن يقتل عمرو
، فلعل
الكثيرين يرون أنفسهم عاجزين عن قتله لفروسته وشدته.. بل جعلها لمن
يقوم لمبارزته..
ج:
إنها إخباراً بأن مبارز عمرو لن يصاب بأذى.
د:
تضمنت الأخبار عن بقاء مبارزه على قيد الحياة إلى ما بعد إستشهاد
الرسول«صلى الله عليه وآله».. وضمان الجنة للمبارز لا تعني استشهاده،
إذ إن نفس المبارزة هي التي تجعله مستحقاً للجنة.
والقول:
بأن مبارزة علي «عليه السلام» لعمرو لا تدل على شجاعته، لأنها اقترنت
بإخبار النبي «صلى الله عليه وآله» للمبارز بالبقاء حياً لا ينفع
قائله.. إذ لماذا لم يبرز له غير علي «عليه السلام» مع علمهم بالبقاء،
فإن الأخبار بالبقاء لا يختص بعلي «عليه السلام» لكن نفس يقين علي
«عليه السلام» بصحة وقوع ما يخبر به النبي «صلى الله عليه وآله»، وشكهم
في ذلك كان من أعظم فضائله «عليه السلام».
على أننا قد
ذكرنا في حديث إنذار العشيرة ما يفيد في دفع هذا التوهم.. فلا بأس
بمراجعته.
هـ:
إننا نعلم إن
للإمامة مؤهلات وشروطاً، ومنها العلم والعصمة والشجاعة... فكيف أنيطت
هنا بمجرد القيام لمبارزة شخص ما من الناس.. مع أن قد يقوم إليه من لا
يملك شيئاً من ذلك.
ويجاب:
بأن إطلاق هذه
الكلمة في مثل هذا الحال، يشير إلى أنه الله سبحانه قد أطلع نبيه على
غيبه، وأنه لن يقوم لمبارزة ذلك الرجل إلا من إختاره الله تعالى
للأمامة، ويكون هذا الإعلان مستبطن للنص على صاحب الحق، وكاشفاً عنه
وعن إختيار الله تعالى له..
و:
لا ندري لماذا نكل أبو بكر
وعمر
عن
مبارزة عمرو ألم يكفهما هذا الضمان من رسول الله
«صلى
الله عليه وآله» لسلامتهما لو بارزا عمروا . ولماذا لم يثقا بالله
ورسوله ولم يتيقنا بصدق هذا الوعد القاطع.
ز: إن هذا لا
يتنافى مع قوله «صلى الله عليه وآله»: من يبرز لعمرو وأضمن له على الله
الجنة، إذ يمكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد قال الكلمتين معاً..
|