صفحة : 84-86   

تمحلات وتعصبات ابن تيمية:

وقد اعتبر ابن تيمية حديث: قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين، ونحوه، من الأحاديث الموضوعة، التي ليس لها سند صحيح، ولم يروه أحد من علماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها. بل ولا يُعرف له أسناد صحيح ولا ضعيف.

وهو كذب لا يجوز نسبته إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، فإنه لا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والإنس ، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء .

وقد قُتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو ، مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط ، وشيبة . وقصته في الخندق لم تذكر في الصحاح([1]).

أما الذهبي ، فقال عن حديث: ضربة علي أفضل من عبادة الثقلين: «قبح الله رافضياً افتراه»([2]).

ونقول:

أولاً: رد الحلبي استبعاد أن تكون ضربة عمرو أفضل من عبادة الثقلين بقوله: «فيه نظر، لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين، وخذلان للكافرين»([3]).

ونزيد على ذلك: أنه إذا كانت قد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وصاروا يظنون الظنون السيئة بالله سبحانه. وإذا كان المسلمون قد أحجموا عن مبارزة عمرو ، خوفاً ورعباً، وكانوا كأن على رؤوسهم الطير.

وإذا كان عمرو هو فارس الأحزاب ، الذين هم ألوف كثيرة، وقد جاؤوا لاستئصال المسلمين، وهم قلة، وقد جاءهم اليهود من جانب، وقريش من جانب، وغطفان من جانب، وكانوا في أشد الخوف على نسائهم وذراريهم.

وإذا كان المنافقون لا يألون جهداً في تخذيل الناس، وصرفهم عن الحرب، حتى أصبح الرسول «صلى الله عليه وآله» في قلة قليلة، لا تزيد على ثلاث مئة رجل، بل قيل: لم يبق معه سوى اثني عشر رجلاً.

وإذا كان الجوع والبرد يفتكان في المسلمين، ويضعفان من عزائمهم..

نعم.. إذا كان ذلك، فمن الطبيعي: أن يكون قتل هذا الكافر فيه حياة الإسلام، وانتعاش المسلمين، وفيه خزي الأحزاب ، وفشلهم، ولاسيما وأن النصر كان بسبب قتل عمرو  كما ربما نشير إليه فيما يأتي إن شاء لله..

ثانياً: أما بالنسبة لضعف سند الحديث، وعدم ذكره في الصحاح، فلا يقلل ذلك من قيمته واعتباره، إذ ما أكثر الأحاديث الصحيحة، والمتواترة التي لم تذكر في كتب الصحاح.

وقد عرفنا تعصب أصحاب الصحاح على علي وأهل بيته «عليهم السلام».

ثالثاً: قول ابن تيمية ليس له سند ضعيف ولا صحيح، يكذبه رواية المستدرك لهذا الحديث عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة ، عن أبيه، عن جده، وقد قال أبو داود : بهز بن حكيم أحاديثه صحاح([4]).

وهذا يسقط سائر دعاوى ابن تيمية حول سند هذا الحديث.


 

([1]) منهاج السنة ج4 ص171 و 172 باختصار، والسيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643 وسيرة الرسول (ط دار الفكر للجميع سنـة 1968م) ص220 و القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع للأصبهاني ص37 وأعيان الشيعة ج1 ص264 و 397.

([2]) تلخيص مستدرك الحاكم للذهبي ج3 ص32 والسيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643.

([3]) السيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643 وأعيان الشيعة ج1 ص265 و 397.

([4]) خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص381 وتهذيب الكمال ج28 ص173 وتاريخ الإسلام للذهبي ج9 ص79 والوافي بالوفيات ج10 ص193 وراجع سائر كتب الرجال والتراجم.

 
   
 
 

موقع الميزان