صفحة : 80-83   

الوسام الإلهي:

عن ابن مسعود ، وعن بهز بن حكيم ، عن أبيه، قال: قال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لمبارزة علي (أو قتل علي) لعمرو بن عبد ود (أو ضربة علي يوم الخندق) أفضل (أو خير) من عبادة الثقلين، أو أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة([1]).

وفي نص آخر عن ابن مسعود : أبشر يا علي، فلو وزن عملك اليوم بعمل أمتي لرجح عملك بعملهم([2]).

زاد المجلسي والطبرسي قوله: «وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو. ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو »([3]).

ونقول:

إن قيمة العمل ليست بمواصفاته المادية، ولا بكبره وصغره، ولا بقوته وضعفه، ولا بكثرته وقلته، ولا بشكله الظاهر، من حيث الجمال، وصفاء الألوان..

فالحديد مهما كثر وكبر، وازداد صلابةً، واتخذ اشكالاً جميلة ومتناسقة، واتخذ ألواناً لامعة وبديعة، فإنه لن تكون له قيمة الذهب أو الماس.

بل قيمته بخصوصيته الكامنة فيه، وبحقيقة جوهره، وشرف عنصره.

ولأجل ذلك نلاحظ: أن الله سبحانه قد أنزل سورة قرآنية في الثناء على أهل البيت هي سورة هل أتى، لمجرد أنهم «عليهم السلام» تصدقوا بأقراص من شعير على مسكين ويتيم وأسير، كما أنه تعالى أنزل آية الولاية لتعلن لأمير المؤمنين «عليه السلام» أعظم وأجل مقام بعد مقام النبوة الخاتمة، وله مساس بمصير البشر إلى يوم القيامة، في خصوص مناسبة تصدقه بخاتم وهو راكع على سائل دخل المسجد.

وتنزل آية أخرى لتثني على علي «عليه السلام» وتخلد ذكره إلى يوم يبعثون، لمجرد تصدقه ببضعة دراهم، ليناجي رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وكذلك الحال حين تصدق بدرهم ليلاً ودرهم نهاراً، وبدرهم سراً ودرهم جهراً.. فإن القرآن نزل أيضاً بالثناء عليه صلوات الله وسلامه عليه من أجل ذلك..

وفي المقابل نجد: أنه تعالى يؤكد على الخطورة القصوى لبعض الأمور التي يظن الناس أنها ليست بذات أهمية، فيذكر أن عدم الحض على طعام المسكين هو من سمات من يكذب بيوم الدين..

وقد يدخل في هذا السياق كشاهد أو مؤيد أن بعض الأعمال يذكر لها في الأخبار مقادير متفاوتة من الثواب، فتارة يكون ثواب زيارة قبر الإمام الحسين «عليه السلام» مثلاً حَجَّة، وتارة يكون ثواب كل خطوة يخطوها الزائر حَجَّة.. مما يعني: أن لدرجة الإخلاص وما يكتشف الفعل من مشقات ومخاوف وغيرها مدخلية في مقدار المثوبة. وربما تخضع المثوبة والعقوبة لخصوصيات تضاف إلى نفس العمل، فقول الحق محبوب للمولى، وله مثوبة معينة، لكنه إذا كان أمام سلطان جائر، زادت مثوبته..

وقد تزيد المثوبة بسبب أحوال أخرى لها مدخلية في زيادة الأثر، فلو أن عمرو بن عبد ود ، وهو فارس جيوش الأحزاب .. قتل في بدر أو مات من جراحته فيها، لم يمنع ذلك من أن تغزو قريش المسلمين.. ولكنه حين قاد جيش الأحزاب ، وقتل في الخندق أدى ذلك إلى عجز المشركين عن غزو المسلمين بعدها.. مما يعني: أن هذه الضربة قد غيرت مجرى الأحداث بصورة أساسية، غير أن الأساس في اعتبار ضربة علي «عليه السلام» أفضل من عبادة الثقلين هو درجة الصفاء والنقاء، والإخلاص فيها، وقيمتها في ذاتها، وشرف عنصرها، وارتقاء جوهرها..


 

([1]) راجع النصوص التي تشير إلى ذلك في: كنز العمال ج12 ص219 و (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص623 وتاريخ بغداد ج13 ص19 ومقتل الحسين للخوارزمي ص45 والمستدرك للحاكم ج3 ص32 وتلخيصه للذهبي بهامشه، والمناقب للخوارزمي ص58 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص106 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص326 وشرح المواقف ج8 ص371 وفرائد السمطين ج1 ص256 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ) ج2 ص14 وإقبال الأعمال ج2 ص267 والتفسير الكبير للرازي ج32 ص31 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص333 وفضائـل الخمسة من الصحاح الستة ج2 ص323 وحبيب السير ج1 ص362 وينابيع المودة ص94 و 95 و 96 وسعد السعود ص139 والطرائف لابن طاووس ص60 و 514 وحليـة الأبـرار ج2 ص160 وكنـز الفوائـد ص137 والسـيرة الحلبيـة ج2 = = ص319 و 320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص642 وشرح المقاصد للتفتازاني ج5 ص298 وفردوس الأخبار ج3 ص455 ونفحات اللاهوت ص91 ومجمع البيان ج8 ص343 وبحار الأنوار ج36 ص165 وج39 ص1 و 2 وج41 ص91 و 96 وج 20 ص205 وشجرة طوبى ج2 ص287 وتنبيه الغافلين ص52 والغدير ج7 ص206 وكشف الغمة ج1 ص148 ونهج الإيمان ص627 وتأويل الآيات ج2 ص690 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص472 والإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» للهمداني ص338 و 361 ومنهاج الكرامة ص166 ومشارق أنوار اليقين ص312 وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 وج 6 ص5 وج 16 ص403 عن بعض من تقدم، وعن حياة الحيوان (ط القاهرة) ص274 وعن المصادر التالية: نهاية العقول (مخطوط) ص114 وروضة الاحباب للدشتكي (مخطوط) ص327 وتجهيز الجيش للدهلوي (مخطوط) ص407 و 163 ومفتاح النجاة ص26 وتاريخ آل محمد لبهجت أفندي ص57 ومناقب علي ص26 ووسيلة النجا ص84.

([2]) ينابيع المودة ص94 و (ط دار الأسوة) ج1 ص281 و 284 وشواهد التنزيل  (ط سنة 1411هـ) ص12 وشجرة طوبى ج2 ص289 وبحار الأنوار ج20 ص216 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص439 وكنز الفوائد ص137 وجوامع الجامع ج3 ص52 ومجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج8 ص132 وتأويل = = الآيات ج2 ص452 وغاية المرام ج4 ص275 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج16 ص405 وج20 ص140 و 625 وج21 ص584 وج31 ص234.

([3]) راجع: مجمع البيان ج8 ص343 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج8 ص132 وبحار الأنوار ج20 ص205 وج39 ص2 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ)‍ ج2 ص12 وكنز الفوائد للكراجكي ص137 وتفسير الميزان ج16 ص298.

 
   
 
 

موقع الميزان