وعن قول رسول الله «صلى الله عليه وآله» بعد قتل عمرو
، أو
بعد رحيل الأحزاب
: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، أو نحو ذلك([1]).نقول:
كان المشركون قد أشاعوا زوراً أنهم قد انتصروا في حرب
أحد
، وبدأوا
بالإستعداد للجولة التالية، فحزبوا الأحزاب، وجمعوا الجموع، واتفقوا مع
يهود قريظة
، وشاركتهم
القبائل الفاعلة في المنطقة مشاركة واسعة، طمأنت زعماء قريش
، الذين حشدوا كل ما لديهم من قوى بشرية ومادية إلى أن
الأمر سيحسم لصالحهم..
وزين لهم الشيطان أن المسألة
أصبحت مسألة وقت.
وجاءوا بقضهم وقضيضهم، وحدهم
وحديدهم، ففوجئوا بالخندق.. وبحسن إدارة الحرب.
وطاولهم المسلمون في الحرب، حتى ملوا، وواجهوا مشاكل
مختلفة ومنها مشكلة البرد، ومشكلة التموين، ومشكلة الريح، ومشكلة
الإرهاق، بسبب إستمرار الإستنفار، وغير ذلك، وفسد الأمر بينهم وبين بني
قريظة
..
ثم جاءتهم قاصمة الظهر بقتل
علي «عليه السلام» فارسهم، وألحق به آخرين إلى درك الجحيم..
فآثروا الفرار
على القرار، ورضوا بالخزي والعار على البوار والدمار، على يد حيدر
الكرار
«عليه
السلام»، الذي كان الحق معه وكان هو مع الحق يدور معه حيثما دار.
فإذا كان هذا أكبر حشد وأقواه، من حيث العدد والعدة،
وقد طار صيته في طول البلاد وعرضها، وتوقع الناس في أرجاء الجزيرة
العربية
، وربما في خارجها نتائجه، فإن النتائج التي عاد بها
هذا الحشد كانت بمثابة زلزال هز المنطقة بأسرها من الأعماق، وبث الوهن
والفشل في كل قلب، وزرع الرعب في كل بيت، وسقط عنفوان الشرك، وتزلزل
جبروته..
وبذلك تكون قريش
قد
فقدت هيبتها، والكثير من نفوذها في المنطقة، وانفك الإرتباط بينها وبين
القبائل المختلفة في طول البلاد وعرضها، فلم تعد هذه القبائل ترى نفسها
ملزمة بالخط، أو بالموقف التي تريد قريش
أن
تلزمها به، ولم يعد بإمكان قريش إقناع الكثير من القبائل بالمخاطرة
بمستقبلها، وبأمنها، وبعلاقاتها مع المسلمين..
كما أن فساد العلاقة بين بني قريظة
والأحزاب
قد أعطى الإنطباع بأن الإعتماد والرهان على التحالفات
والتفاهمات لم يعد مُطَمئناً، بل هو رهان يكاد يكون على يباب وسراب.
ولا بد لقريش
من أن
ترضى على مضض بأن ترى القبائل تسعى لمد الجسور مع المسلمين، وترميم
علاقاتها بهم، والتفاهم معهم في المجالات المختلفة. ما دام أن تيار
الإسلام والمسلمين في حالة نمو وتعاظم مطرد في البلاد القريبة
والبعيدة..
وظهر مصداق
قوله «صلى الله عليه وآله»:
بعد ما جرى: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.
([1])
راجع المصادر التالية: سبل الهدى والرشاد ج4 ص549 عن أحمد،
والبخاري، والبزار، والبيهقي، وأبي نعيم، وفتح الباري ج7 ص312
والمواهب اللدنية ج1 ص115.
=
=
وراجع: ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص394 و 457 و 458 والسيرة
النبوية لدحلان ج2 ص12 ووفاء الوفاء ج1 ص305 وشرح نهج البلاغة
للمعتزلي ج19 ص62 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص251
والسيرة الحلبية ج2 ص328.
وراجع: صحيح البخاري ج3 ص22 وبحار الأنوار ج20 ص258 و 273 و
209 والإرشاد للمفيد ص62 ونهاية الأرب ج17 ص178 وعيون الأثر ج2
ص66 وراجع ص76 وحدائق الأنوار ج2 ص592 والكامل في التاريخ ج2
ص184 والبداية والنهاية ج4 ص115 عن ابن إسحاق، ومجمع البيان ج8
ص344 وبهجة المحافل ج1 ص271 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص221
وتاريخ الخميس ج1 ص492.
|