قالوا:
لما عاد النبي «صلى الله عليه وآله» والمسلمون إلى المدينة جاءه جبرئيل
مباشرة يأمره بالمسير إلى بني قريظة ، وكان حينئذ ـ كما يبدو ـ في بيت
فاطمة «عليه السلام»، وأنفذ علياً «عليه السلام» في ثلاثين من الخزرج
، قال المفيد والأربلي
وغيرهما: وقال له: انظر إلى بني قريظة XE "قريظة:جماعات"
، هل تركوا حصونهم؟!
فلما شارف حصونهم سمع منهم الهُجْر، فعاد إلى النبي
«صلى الله عليه وآله» فأخبره، فقال: دعهم، فإن الله سيمكن منهم. إن
الذي أمكنك من عمرو بن عبد ود
لا يخذلك، فقف حتى يجتمع الناس إليك، وأبشر بنصر الله،
فإن الله قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر.
قال علي
«عليه السلام»:
فاجتمع الناس إلي، وسرت حتى دنوت من سورهم، فأشرفوا عَلَيّ، فلما رأوني
صاح صائح منهم: قد جاءكم قاتل عمرو XE "عمرو
بن عبد ود"
.
وقال آخر:
قد أقبل إليكم قاتل عمرو
.
وجعل بعضهم يصيح ببعض،
ويقولون ذلك، وألقى الله في قلوبهم الرعب، وسمعت راجزاً يرتجز:
قـتـل عــلي
عـــمــــرواً صــاد عــلي صــقـــراً
قــصـــم عــلي
ظــهـراً أبـــرم عــلي أمــــــراً
هـتــك عـــلي ســـتـــــــراً
فقلت:
الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك.
وكان النبي
«صلى الله عليه وآله» قال لي حين توجهت إلى بني قريظة
:
سر على بركة الله، فإن الله قد وعدك (وعدكم) أرضهم
وديارهم.
فسرت مستيقناً لنصر الله عز وجل حتى ركزت الراية في أصل
الحصن، (وجعل «صلى الله عليه وآله» يسرّب إليه الرجال)، واستقبلوني في
صياصيهم، يسبون رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فلما سمعت سبهم له
«عليه السلام» كرهت أن يسمعه رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فعملت
على الرجوع إليه، فإذا به «عليه السلام» قد طلع([1]).
ثم ذكر المفيد
«رحمه الله» حصار النبي «صلى الله عليه وآله» لهم خمسة وعشرين يوماً،
ثم نزولهم على حكم سعد بن معاذ
، ثم قال:
ولما جيء بالأسارى إلى المدينة
حبسوا في دار من دور بني النجار ، وخرج رسول الله «صلى الله عليه وآله»
إلى موضع السوق اليوم، فخندق فيها خنادق، وحضر أمير المؤمنين «عليه
السلام» معه والمسلمون، فأمر بهم أن يخرجوا، وتقدم إلى أمير المؤمنين
أن يضرب أعناقهم في الخندق. فأخرجوا أرسالاً، وفيهم حيي بن أخطب وكعب
بن أسد
، وهما ـ إذ ذاك ـ رئيسا القوم، فقالوا لكعب بن أسد،
وهو يُذْهَبُ بهم إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»: يا كعب، ما تراه
يصنع بنا؟!
فقال:
في كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع، ومن ذهب منكم لا يرجع،
هو والله القتل.
وجيء بحيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه، فلما نظر إلى
رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: أما والله ما لمت نفسي على
عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذل.
ثم أقبل على
الناس، فقال:
يا أيها الناس، إنه لا بد من أمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني
إسرائيل
. ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين علي «عليه السلام» وهو
يقول: قتلة شريفة بيد شريف.
فقال له
أمير المؤمنين «عليه السلام»:
«إن خيار الناس يقتلون شرارهم، وشرار الناس يقتلون خيارهم، فالويل لمن
قتله الأخيار الأشراف، والسعادة لمن قتله الأرذال الكفار».
فقال:
صدقت، لا تسلبني حلتي.
قال:
«هي أهون عَلَيّ من ذاك».
قال:
سترتني سترك الله، ومد عنقه، فضربها علي «عليه السلام»
ولم يسلبه من بينهم.
ثم قال أمير
المؤمنين «عليه السلام» لمن جاء به:
ما كان يقول حيي وهو يقاد إلى الموت؟!
فقال:
كان يقول:
لـعـمـرك ما لام ابن أخطب
نفسه ولــكـنـه مـن يخــذل الله يخــذل
لجـاهـد حتى بلـغ النفس جهدها
وحـاول يبـغي العز كـل مقـلقـل
فقال أمير المؤمنين «عليه
السلام»:
لـقـد كـان ذا جـد وجـد بكفره
فـقـيـد إلـيـنـا في المجـامـع يعتـل
فقلدته بالسيـف ضربـة محـفـظ
فصـار إلى قـعـر الجـحيـم يكـبـل
فذاك مآب الكافرين ومن يكن مـطيـعـاً لأمر
الله في الخلد ينزل([2])
([1])
الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص109 و 110 وبحار الأنوار
ج20 ص261 و 262 وج41 ص95 و 96 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص145 و (ط
دار الأضواء) ج1 ص251 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص207 و 208 وكشف
اليقين ص135.
([2])
الإرشاد للمفيد ص65 و (ط دار المفي) ج1 ص111 ـ 113 وبحار
الأنوار ج20 ص262 ـ 264.
|