علي
عليه السلام
في سرية حسمي:
ويقولون:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» أرسل زيد بن حارثة إلى حسمي ـ وهو وادٍ
في ذات القرى ـ وذلك بعد أن أخذ رجل منهم اسمه الهنيد
،
وابنه وناس من جذام طريق دحية الكلبي
، وسلبوه ما معه.
فأخبر دحية
النبي «صلى
الله عليه وآله»، فأرسل إليهم سريةً عليها زيد بن حارثة ، فأغاروا
عليهم، فقتلوا منهم رجلين، وقتلوا الهنيد
وابنه، وأخذ ابلهم وشاءهم، ومئة من النساء والصبيان.
فشكا الجذاميون ذلك إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، وقالوا: إنهم مسلمون.
فأراد أن يرسل علياً «عليه السلام» إلى زيد ليأمره برد
ما أخذ منهم.
فقال علي
«عليه السلام»:
يا رسول الله إن زيد
اً لا يطيعني، فأعطاه سيفه علامة.
فخرج «عليه السلام»، فإذا رسول لزيد
على ناقة من
إبلهم، أرسله زيد بشيراً، فأنزله علي عن الناقة، وردها على القوم مع
الجذاميين الذين كانوا قدموا المدينة
لإنجاز هذه المهمة، وأردف علي «عليه السلام»، ذلك
البشير خلفه.
فقال:
يا علي، ما شأني؟!
فقال:
ما لهم، عرفوه، فأخذوه.
ثم ساروا، فلقوا الجيش، فطلب زيد من علي علامة.
فقال:
هذا سيفه «صلى الله عليه وآله»، فعرف زيد
السيف، فرد عليهم كل ما أخذ منهم([1]).
ونقول:
لا بأس بملاحظة ما يلي:
1 ـ
إنه «صلى الله عليه وآله» انتدب علياً هنا لإرجاع الحقوق إلى أصحابها،
وانتدبه أيضاً لإرجاع الحقوق إلى بني جذيمة .. وانتدبه للمبيت على
فراشه ليلة الهجرة، وانتدبه لتبليغ مشركي مكة سورة براءة، وانتدبه لقتل
مرحب
، وانتدبه لرد
الكتائب يوم أحد ، وانتدبه لمبارزة الوليد
في
بدر ، وانتدبه لقتل ابن صياد
وانتدبه.. و.. و.. وقد أدى كل ما انتدبه له على
أكمل وجه وأحسنه.
وانتدب غيره ـ وهو عمر بن الخطاب
ـ لإبلاغ أهل
مكة رسالته، فامتنع، بحجة أنه ليس له عشيرة تمنعه، وانتدبهم لمبارزة
عمرو بن عبد ود
، وضمن لهم على الله الجنة، فلم يستجيبوا..
وانتدبهم لإجابة أبي سفيان
في حرب أحد
بأمور بعينها،
فخالفوه فيها، وانتدبهم ليأتوه بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا
بعده أبداً، فلم يستجيبوا لطلبه، واتهموه بأنه يهجر.. وانتدبهم ليحلقوا
رؤوسهم في الحديبية ، فتثاقلوا ولم يجيبوا طلبه إلا بعد لأي.. وانتدبهم
لقتل ابن صياد,
فلم يجد عندهم ما يجدي.. و.. و..
وقد فشلوا في سائر المهمات
الكبرى التي أوكلت إليهم أيما فشل..
فهل جاء ذلك كله على سبيل
الصدفة.. أم أن الأمور جرت وفق ما أراد محبوهم إشاعته، والتسويق له؟!
2 ـ
إنه «عليه السلام» يلتزم بدقة في تنفيذ ما يأمره النبي به.. حتى أنه
حين قال له في خيبر
: إذهب ولا تلتفت.
وقف ولم
يلتفت، وقال:
علام أقاتل الناس؟!
قال:
قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله([2])..
وهنا أيضاً
نلاحظ:
أنه «عليه السلام» ينتزع الناقة من رسول زيد
، ويردف الرسول خلفه، ويسلمها إلى أصحابها، ولا يسمح
بركوب ناقة صدر أمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإرجاعها إلى
أربابها ولو خطوات يسيرة.
3 ـ
قد ظن ذلك الرسول: أن أخذ الناقة منه، كان على سبيل العقوبة له، ولذلك
قال: يا علي، ما شأني؟!.
فقال له علي
«عليه السلام»:
مالُهم، عرفوه، فأخذوه.. فليس لأحد الحق في أن يتصرف بمال غيره إلا
بإذنه..
4 ـ
وأما قول علي «عليه السلام» لرسول الله «صلى الله عليه وآله» إن زيداً
لا يطيعني، فهو مدح وثناء على زيد، من حيث أنه هو الآخر يراعي قواعد
الإنضباط في تنفيذ الأوامر النبوية الصادرة إليه، ولا يتعامل على أساس
العلاقات الشخصية، حين يطلب منه القيام بمسؤوليات معينة.. حتى لو كان
ذلك من علي «عليه السلام» نفسه، الذي يعلم زيد
أنه نفس النبي «صلى الله عليه وآله»، لأن زيداً يرى أن
الولاية الفعلية هي للنبي «صلى الله عليه وآله» لا لعلي «عليه
السلام».. وكان يعلم أن علياً «عليه السلام» يتعامل معه وفق ما تقتضيه
الحياة العادية للناس، لا بالمعجزة والكرامة والغيب.
وكان النبي «صلى الله عليه
وآله»، وكذلك علي «عليه السلام» يريد من الناس أن يلتزموا بهذا النهج،
لكي لا تبقى أية ثغرة يمكن أن يتسرب منها ما يفسد أو يعيق تنفيذ القرار
النبوي.
ولم يكن زيد ـ من جهته ـ بالذي يجهل موقع علي «عليه
السلام» من النبي «صلى الله عليه وآله» ومن هذا الدين.. ولكنه يريد أن
يُرِي الناس بصورة تطبيقية، كيف يلتزم المسؤول بحرفية البيانات
والبلاغات الصادرة إليه من القيادة العليا، وأنه لا مجال للمحاباة في
هذا الأمر، ولا يصح الإعتماد على الإجتهادات الشخصية.
([1])
تاريخ الخميس ج2 ص9 و 10 والسيرة الحلبية ج3 ص179 و (ط دار
المعرفة) ج3 ص180 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص88 و 89 وبحار
الأنوار ج20 ص375.
([2])
راجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص93 والإحسان بترتيب
صحيح ابن حبان ج15 ص380 وإسناده صحيح، ومسند أحمد ج2 ص384 ـ
385 وصحيح مسلم ج7 ص121 وسنن سعيد بن منصور ج2 ص179 وخصائص
أمير المؤمنين للنسائي ص58 و 59 و 57 وترجمة الإمام علي بن أبي
طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص159 والغدير ج10
ص202 وج4 ص278 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200 ومسند
الطيالسي ص320 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص110 وشرح أصـول
الكـافي ج6 ص136 وج12 ص494 ومنـاقـب أمير المؤمنين ج2 = =
ص503 والأمالي للطوسي ص381 والعمدة ص143 و 144 و 149 والطرائف
ص59 وبحار الأنوار ج21 ص27 وج39 ص10 و 12 والنص والإجتهاد ص111
وعن فتح الباري ج7 ص366 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص111 ورياض
الصالحين ص108 وكنز العمال ج1 ص86 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص82 و
83 و 84 و 85 والبداية والنهاية ج4 ص211 والسيرة النبوية لابن
كثير ج3 ص352 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج1 ص178 وسبل
الهدى والرشاد ج5 ص125 وينابيع المودة ج1 ص154.
|