قال القمي :
حدثنا
محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عيسى
، عن
الحسن بن علي بن فضّال
، قال:
حدثني عبد الله بن بكير عن زرارة
، قال:
سمعت أبا جعفر «عليه
السلام» يقول:
لما مات إبراهيم ابن رسول الله
«صلى
الله عليه وآله» حزن عليه حزناً شديداً، فقالت عائشة
: ما
الذي يحزنك عليه؟!
فما هو إلا ابن جريح
.
فبعث رسول
الله «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» وأمره بقتله، فذهب علي
«عليه السلام» ومعه السيف، وكان جريح القبطي في حائط، فضرب علي «عليه
السلام» باب البستان، فأقبل جريح، ليفتح له الباب، فلما رأى علياً
«عليه السلام»، عرف في وجهه الغضب، فأدبر راجعاً، ولم يفتح الباب.
فوثب علي
«عليه السلام» على الحائط، ونزل إلى البستان، واتبعه. وولى جريح مدبراً،
فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة، وصعد علي في أثره، فلما دنا منه رمى
بنفسه من فوق النخلة، فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال، ولا ما
للنساء.
فانصرف علي «عليه
السلام» إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال:
يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوبر،
أم أثبّت؟!
قال:
لا بل اثبّت.
فقال:
والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال، ولا ما للنساء.
فقال:
الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت..»([1]).
مع تحفظنا على
ما ذكر أخيراً من أن علياً بعد أن عرف أن جريحاً مجبوب عاد إلى النبي
وسأله إن كان تكليفه التثبت أم لا مع أن الصحيح والمناسب هو أن علياً
«عليه
السلام» سأل هذا السؤال قبل أن يذهب إلى جريح.
أما بالنسبة
لنظر علي «عليه السلام» إلى عورة جريح فلعله وقع إتفاقاً كما في
الرواية، ولعله إنما جوز لنفسه النظر إلى موضع القدرة لعلمه مسبقاً
بأنه مجبوب، وكان يعرف غاية وموجبات وأهداف هذا الأمر الصادر من رسول
الله «صلى الله عليه وآله».
وعنه في رواية
عبد الله بن موسى
، عن
أحمد بن راشد
، عن مروان بن
مسلم
، عن عبد الله
بن بكير
، قال: قلت
لأبي عبد الله
«عليه
السلام»:
جعلت فداك،
كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمر بقتل القبطي
، وقد
علم أنها كذبت عليه؟! أولم يعلم؟! وقد دفع الله عن القبطي القتل بتثبيت
علي «عليه السلام»؟
فقال:
بل كان والله يعلم، ولو كان عزيمة من رسول الله «صلى الله عليه وآله»
ما انصرف علي «عليه السلام» حتى يقتله، ولكن إنما فعل رسول الله «صلى
الله عليه وآله» لترجع عن ذنبها، فما رجعت، ولا اشتد عليها قتل رجل
مسلم([2]).
وفي نص آخر
يقرب من النص الذي ذكره القمي
يقول:
إنه وجده عند مارية
([3]).
وقد ذكر أمير المؤمنين «عليه السلام» هذا الأمر في
مناشدته لأهل الشورى XE
"أهل
الشورى:جماعات"
، وفيه: أنه
«صلى الله عليه وآله» أمره بالتثبت قبل أن يذهب في أثر ابن جريح
([4]).
وروى أهل
السنة
هذه القضية في
كتب صحاحهم وغيرها.. وقد ذكرنا طائفة من نصوصهم في كتابنا: حديث الإفك،
وهي التالية:
1 ـ
روى مسلم
وغيره، والنص لمسلم
، عن
أنس
: أن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» لعلي: اذهب، فاضرب عنقه،
فأتاه علي، فإذا هو في ركي([5])
يتبرد فيها.
فقال له علي:
اخرج،
فناوله يده، فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر، فكف علي عنه.
ثم أتى
النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال:
يا رسول الله، إنه لمجبوب ما له ذكر([6]).
2 ـ
عن أنس بن
مالك
، قال: كانت
أم إبراهيم
سرية للنبي
«صلى الله عليه وآله» في مشربتها، وكان قبط
يأوي
إليها، ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس في ذلك: علج يدخل على علجة.
فبلغ ذلك رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، فأرسل علي بن أبي طالب، فوجده على نخلة،
فلما
رأى السيف وقع في نفسه، فألقى الكساء الذي كان عليه، وتكشف، فإذا هو
مجبوب.
فرجع علي إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فأخبره
فقال:
يا رسول الله، أرأيت إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى في غير ذلك،
أيراجعك؟!
قال:
نعم. فأخبره
بما رأى من القبطي
.
قال:
وولدت
مارية إبراهيم
، فجاء
جبرائيل
«عليه السلام» إلى النبي «صلى الله عليه وآله» فقال:
السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن رسول الله إلى ذلك»([7]).
وفي رواية أخرى مثل ذلك، غير أنه قال:
«خرج علي،
فلقيه على رأسه قربة مستعذباً لها من الماء، فلما رآه علي شهر السيف،
وعمد له، فلما رآه القبطي
طرح القربة، ورقى في نخلة وتعرى، فإذا هو مجبوب.
فأغمد علي سيفه، ثم رجع إلى النبي «صلى الله عليه
وآله»، فأخبره الخبر، فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أصبت، إن
الشاهد يرى ما لا يرى الغائب»([8]).
«وروى
الواقدي في إسناده قال:
كان الخصي الذي بعث به المقوقس
مع
مارية
، يدخل إليها
ويحدثها، فتكلم بعض المنافقين في ذلك وقال: إنه غير مجبوب، وأنه يقع
عليها، فبعث رسول الله «صلى الله عليه وآله» علي بن أبي طالب، وأمره أن
يأتيه، ويقرره، وينظر في ما قيل فيه، فإن كان حقاً قتله، فطلبه علي،
فوجده فوق نخلة، فلما رأى علياً يؤمه أحس بالشر، فألقى إزاره، فإذا هو
مجبوب ممسوح.
وقال بعض
الرواة:
إنه ألفاه يصلح خباء له، فلما دنا منه ألقى إزاره وقام متجرداً. فجاء
به علي إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» فأراه إياه، فحمد الله على
تكذيبه المنافقين بما أظهر من براءة الخصي، واطمأن قلبه»([9]).
3 ـ
في مستدرك
الحاكم
وتلخيصه
للذهبي
والنص له: عن
عائشة
قالت: «أهديت
مارية
ومعها ابن عم
لها، فقال
أهل
الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادَّعى
ولد غيره.
قالت:
فدخل النبي «صلى الله عليه وآله» بإبراهيم
عليَّ
فقال: كيف ترين؟!
قلت:
من غذي بلبن الضأن يحسن لحمه.
قال:
ولا الشبه؟!
قالت:
فحملتني الغيرة.
فقلت:
ما أرى شبهاً.
قالت:
وبلغ رسول
الله «صلى الله عليه وآله» ما يقول الناس، فقال لعلي: خذ هذا السيف،
فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية
.
فانطلق، فإذا هو في حائط على نخلة يخترف، فلما نظر إلى
علي، ومعه السيف استقبلته رعدة، فسقطت الخرقة، فإذا هو ممسوح»([10]).
وفي نص آخر:
فجاء به يحمله على عنقه، فقال:
يا عائشة XE "عائشة"
، كيف تري الشبه؟
فقلت ـ أنا
غيرى ـ :
ما أرى شبهاً([11]).
فقال:
ولا باللحم؟!
فقلت:
لعمري، لمن
تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال:
فجزعت عائشة وحفصة
من
ذلك، فعاتبته حفصة
،
فحرّمها، وأسرّ إليها سراً، فأفشته إلى عائشة
، فنزلت آية التحريم، فأعتق رسول الله «صلى الله عليه
وآله» رقبة([12]).
وفي نص آخر أنه قال:
ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟!
فقالت:
من قصرت عليه اللقاح أبيض وسمن([13]).
ولا نريد التعليق على ما ورد في هذه النصوص، ولا سيما
ما دل منها على أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يطمئن لأمر إبراهيم
حتى سلم عليه جبرئيل بقوله:
السلام عليك يا أبا إبراهيم. فإن المفروض: أن عائشة
ادعت
فيه ما ادعت بعد ذلك أيضاً. كما أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن
شاكاً في أمر ولده أبداً،
بل كان على يقين ببراءة مارية
، ولكنه كان يريد إظهار كذب من قرفها بالفاحشة..
ونكتفي بهذا
القدر هنا ونعطف الحديث إلى سائر ما يرتبط بسيرة علي «عليه السلام».
ولكن يبقى أمر
يحتاج إلى المعالجة هنا. وهو أن هناك اختلافاً بين الروايات.. فهل تعدد
قذف مارية
، فتعددت
آليات البراءة؟! أو أن الاتهام كان واحداً لكن التبرئة قد تعددت أمام
العديد من الفرقاء؟! أو أن هذه الإختلافات متعمدة لأجل إثارة الشبهة
حول صحة الحديث؟!
([1])
تفسـير
القمي ج2 ص99 و 100 وص318 و 319 وتفسـير
الـبرهـان
ج3
= =
ص126
و 127 وج4 ص205 ونور الثقلين ج3 ص581 و 582 عنه، وتفسير
الميزان ج5 ص103 و 104 وفي تفسير القمي والبرهان في سورة
الحجرات: أن آية:
{إِنْ
جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}
نزلت في هذه المناسبة، وبحار الأنوار ج22 ص155.
([2])
تفسير الميزان ج15 ص104 وتفسير البرهان ج3 ص127 وج4 ص205
وتفسير القمي ج2 ص319 وبحار الأنوار ج22 ص154.
([3])
أمالي السيد المرتضى ج1 ص77 وصفة الصفوة ج2 ص78 و 79 والبداية
والنهاية ج3 ص304 وقال: إسناد رجاله ثقات، عن الإمام أحمد،
وكشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص188 و 189 ومجمع الزوائد ج4
ص329 وقال: رواه البزار وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس ولكنه ثقة،
وبقية رجاله ثقات، وقد أخرجه الضياء في أحاديثه المختارة على
الصحيح. وبحار الأنوار ج22 ص167 و 168.
([4])
راجع: تفسير البرهان ج3 ص127 عن ابن بابويه، والخصال ج2 ص120 و
126 وبحار الأنوار ج20 ص154.
([6])
صحيح مسلم (ط مشكول، وط دار الفكر) ج8 ص119 والمستدرك للحاكم
ج4 ص39 و 40 وتلخيصه للذهبي، نفس الصفحة وراجع: البداية
والنهاية ج4 ص273 والمحلى ج11 ص413 والإستيعاب (بهامش الإصابة)
ج4 ص411 و 412 و (ط دار الجيل) ج4 ص1912 والإصابة ج3 ص334 و (ط
دار الكتب العلمية) ج5 ص517 والسيرة الحلبية ج3 ص312 وسبل
الهدى والرشاد ج10 ص431. وليراجع: أسد الغابة ج5 ص542 و 544
وج4 ص268 والكامل في التاريخ ج2 ص313 والديباج على مسلم ج6
ص133.
([7])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص154 و 155 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج8
ص214 والمعجم الأوسط ج4 ص89 ومجمع الزوائد ج9 ص161 عن الطبراني
في الأوسط، وراجع: الآحاد والمثاني ج5 ص448 و 449 وفيض القدير
ج3 ص323 والإصابة ج1 ص318 وفتوح مصر وأخبارها ص121 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج1 ص34 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث
العربي) ج 5 ص 326 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص603 وسبل
الهدى والرشاد ج11 ص21.
([8])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص155 و (ط دار صادر) ج8 ص215.
([9])
أنساب الأشراف ج1 ص450 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص303.
([10])
المستدرك للحاكم ج4 ص39 وتلخيصه للذهبي، هامش نفس الصفحة.
وراجع: الإصابة ج5 ص519 وأسد الغابة ج4 ص268.
([11])
الظاهر أن الصحيح: فقلت ـ وأنا غيرى ـ: ما أرى شبهاً.. كما
يعلم من سائر المصادر.
([12])
الدر المنثور ج6 ص240 عن ابن مردويه. وراجع: الآحاد والمثاني
ج5 ص448 والبداية والنهاية ج5 ص326 والسيرة النبوية لابن كثير
ج4 ص603.
([13])
تقدم هذا النص عن الحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه،
والسيوطي عن
= =
ابن
مردويه.
ونزيد
هنا: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 قسم1 ص88 و (ط دار صادر) ج1
ص137 والبداية والنهاية ج3 ص305 وقاموس الرجال ج11 ص305 عن
البلاذري وأنساب الأشراف ج1 ص450 والسيرة الحلبية ج3 ص309 من
دون الفقرة الأخيرة من كلامها، وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر)
ج2 ص87 مع حذف كلمة «ما» من قولها: «ما أرى شبهاً» لكن المقصود
معلوم من اعتراضه «صلى الله عليه وآله». وقد تكون قد قالت ذلك
على سبيل السخرية أو الاستفهام الإنكاري. وراجع: قاموس الرجال
للتستري ج12 ص302 و 343 وإمتاع الأسماع ج5 ص336.
|