بعث علي
عليه السلام
إلى بني سعد
:
وفي شعبان سنة
ست بعث «صلى الله عليه وآله» علياً «عليه السلام» في مئة رجل إلى بني
سعد بن
بكر بفدك التي كان بينها وبين المدينة
ست ليال.
وسببه أنه بلغ
النبي «صلى الله عليه وآله» أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر ،
وأن يجعلوا لهم تمر خيبر
.
وفي الطريق
أخذوا رجلاً هناك، فسألوه فأقر انه عين لبني سعد ، وأنه مرسل من قبلهم
ليهود خيبر ، ليعرض عليهم نصرهم مقابل التمر، ثم دلهم على موضع
تجمعهم..
فهاجمهم «عليه
السلام» بمن معه، فهربوا بالظعن، وغنم المسلمون خمس مئة بعير وألفي
شاة.
فعزل «عليه السلام» صفي المغنم لرسول الله «صلى الله
عليه وآله»، وعزل الخمس، وقسم الباقي على السرية([1]).
ونقول:
لا حاجة إلى
بسط القول في دلالات هذا الحدث غير أننا نشير إلى ما يلي:
1 ـ
إن الحرب الوقائية هي التدبير السديد، إذا توفرت شروطها، وقد كانت هذه
السرية وقائية، استطاع «عليه السلام» أن يورد ضربته في هؤلاء الأشرار
قبل اكتمال استعدادهم، وقبل إحكام أمرهم، بل قبل أن يتمكنوا من إتمام
الإتفاق مع من يريدون أن يعينوهم على رسول الله..
وهذه الحرب
الوقائية التي خاضها علي «عليه السلام» بأمر النبي «صلى الله عليه
وآله» لها دلالاتها، ومن ذلك:
ألف:
قوة جهاز جمع المعلومات عن الأعداء.
ب:
دقة تلك المعلومات..
ج:
أنها قد وصلت في الوقت المناسب..
د:
أن المسلمين استطاعوا أن يفاجئوا عدوهم، وأن يصلوا إليه دون أن يشعر..
هـ:
قدرتهم على إبطال نشاطات جهاز استخبارات العدو، وشل حركته، وضربه في
المواقع الحساسة منه..
و:
دلت على تمكنهم من الإسترشاد بعناصر استخبارات العدو أنفسهم، للحصول
على معلومات ثمينة جداً وحساسة عن ذلك العدو..
ز:
أعطت هذه الحرب الوقائية المسلمين المزيد من الهيبة في المحيط الذي سوف
يستقبل صدى هذه الضربة الموفقة.. وسيزيد في تردد الآخرين في الإقدام
على أي عمل يسيء إلى علاقتهم بالمسلمين..
ح:
أنها ستزيد المؤمنين ثقة بأنفسهم، وتجرئهم على مواجهة أعدائهم..
ط:
تفتح أمامهم آفاقاً جديدة تتمازج فيها القوة والفتوة مع الفكر
والتدبير، واجتراح المفاجآت للعدو..
2 ـ
إن بني سعد .. يسعون إلى العدوان على الناس وقتلهم، وإنزال أشد البلاء
فيهم، لا لذنب أتوه إليهم، ولا نصرة منهم لمظلوم، أو مناوأة منهم
لظالم.. ولا لأجل تأييد حق وإحقاقه، وإبطال باطل وإزهاقه.
وإنما لمجرد
الطمع في الدنيا!! ويا ليته كان طمعاً بشيء ذي بال، تهفوا إليه النفوس،
كالحصول على الملك والجاه العريض، وقيادة العساكر، والدساكر، والأمر
والنهي، أو يا ليته كان طمعاً بالحصول على الأراضي والدور والبساتين
والقصور، وإنما هو طمع بشيء من التمر، الذي يحصل عليه كل أحد، ويستوي
فيه الذكي والغبي، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والوضيع والشريف.
ومن الواضح:
أن التبرع بقتل الأنبياء والأولياء، وإنزال المصائب والبلايا
بالأبرياء، من أجل الحصول على حفنة من تمر، لهو الغاية في قصر النظر،
والغباء، وفي الرذالة والسقوط، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك..
3 ـ
على أنه لا شيء يضمن لهم أن يفي اليهود لهم بما تعهدوا به، لو تم لهم
ما أرادوا، فاليهود هم أهل الطمع والجشع، ولا يمكن أن يتنازلوا لهذه
القبيلة الضعيفة عن تمر خيبر ، بعد قتلهم النبي والوصي، والقضاء على
الإسلام وأهله، وصيرورتهم أسياد المنطقة، بل هم سوف يطردون هؤلاء
الرعاع، وينكثون عهدهم.. ولليهود تاريخ عريق في نكث العهود، والخلف في
الوعود.. ولا سيما إذا كانت الغلبة لهم، والقوة معهم.
([1])
راجع: تاريخ الخميس ج2 ص12 والسيرة الحلبية ج3 ص182 و 183 وسبل
الهدى والرشاد ج6 ص97 وبحار الأنوار ج20 ص293 و 376 والطبقات
الكبرى لابن سعد ج2 ص90.
|