وفي بعض النصوص:
أنه لما سأل النبي «صلى الله عليه وآله» عن علي «عليه السلام» قالوا:
هو في الرحل يطحن.
قال:
وما كان أحدكم ليطحن؟! فجاء وهو أرمد لا يكاد يبصر([1]).
ونلاحظ:
أنه «عليه السلام» حتى وهو أرمد، لا يكاد يبصر، لا يكون اتكالياً على
غيره في خدمته لنفسه، وللمقاتلين بالاستناد إلى رمد عينيه، بل يكون هو
العامل، الذي يختار عملاً يقدر على أدائه، مما فيه فائدة للجيش، الذي
هو بصدد دفع أعداء الله تعالى.
في حين أن
غيره سارع إلى الحضور في مجلس النبي «صلى الله عليه وآله»، وكثير منهم
مستشرف للراية طامعاً وآملاً بالفوز بها، حين عرف أن حاملها سوف يفتح
الله على يديه، وأن ذلك سوف يكون وساماً ربما يكون له تأثيره في تبوء
المقامات، وتحقيق الطموحات..
وكأن استشراف
هؤلاء الطامعين للراية
إنما كان
للوعد بالفتح الذي أطلقه رسول الله
«صلى الله
عليه وآله».. رغم فرارهم بها بالأمس وقبله..
ولعلهم ظنوا:
أن الفتح سيأتي على سبيل الإعجاز، ومن دون تعب، ونصب، وتضحية.. ذاهلين
عن أن الفتح إنما يكون على يدي الكرار غير الفرار.
ومن يكون الله
ورسوله أحب إليه من كل شيء حتى من
نفسه..
ومن لا يريد
بهذا الجهاد أن يحصل لنفسه على المكاسب أو المناصب الدنيوية..
ومن يلتزم
بحرفية أوامر رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»، ولا يتعداها.
ومن لا يعتبر إعطاء الراية له والفتح على يديه مكسباً
دنيوياً.. بل هو عطاء إلهي على قاعدته التي اطلقها «عليه السلام» في
هذا الموقف بالذات، حين قال: «اللهم لا مانع لما أعطيت»([2]).
ومهما يكن من أمر،
فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد لامهم على تركهم علياً يطحن،
ومبادرتهم إلى مجلسه «صلى الله عليه وآله»، لأنه رأى أن مبادرتهم هذه،
واستشرافهم للراية أيهم يعطاها سعي للدنيا، وطلب لها..
وما كان
أحراهم لو اشتغلوا بالطحن، فإنه سيكون نافعاً لهم في دنياهم وفي آخرتهم،
التي هم أحوج إليها من أي شيء آخر..
ولو أنهم
افسحوا المجال لعلي «عليه السلام» ليحضر، لكان حضوره
«عليه السلام»
في ذلك المجلس هو المرضي لله، لأن حضوره سيكون من أجل الآخرة، وللعمل
على حل العقدة، ونصرة أهل الحق.. ولأجل ذلك استحقوا اللوم من النبي
«صلى الله عليه وآله»، فإنهم أوكلوا الطحن إلى علي «عليه السلام»، وكان
الحري بهم أن يتولوه عنه.
كما أن هذا
اللوم الذي وجهه النبي «صلى الله عليه وآله» لهم يعطي أن عليهم أن
يعرفوا أقدار الناس، وأقدار أنفسهم، وأن يضعوا الأمور
في مواضعها، وأن يوكلوا كل عمل إلى أهله.. فلا يوكلوا الطحن واستقاء
الماء، وحراسة النساء إلى القادة والذادة، وعلماء الأمة وربانييها.
([1])
مسند أحمد ج1 ص331 والخصائص للنسائي (ط التقدم بمصر) ص8 وفي
(طبعة أخرى) ص63 والمستدرك للحاكم ج3 ص132 وكفاية الطالب (ط
مكتبة الغري) ص116 وراجع: العمدة لابن البطريق ص85 و 238
وذخائر العقبى ص87 وحلية الأبرار ج2 ص وبحار الأنوار ج38 ص241
وج40 ص50 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص112 و 292 والمراجعات ص196
والغدير ج1 ص50 وج3 ص195 ومواقف الشيعة ج3 ص393 وعن مجمع
الزوائد ج9 ص119 وكتاب السنة لابن عاصم ص589 والسنن الكبرى ج5
ص113 وعن خصائص الوحي المبين لابن البطريق ص118 وتاريخ مدينة
دمشق ج42 ص98 و 99 و 101 وج46 ص150 وسير أعلام النبلاء ج3 ص68
وعن الإصابة لابن حجر ج4 ص467 وعن البداية والنهاية ج7 ص374
والمناقب للخوارزمي ص125.
([2])
قد ذكرنا مصادر هذه الكلمة في موضع آخر، فراجع.
|