إن قوله
«صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»:
قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، يشير إلى أن توحيد اليهود
مشوب
بالشرك، أو بغيره من المعاني التي تنافي التوحيد الخالص، ولو بمستوى
عبادة الذات، والمال، والسلطان، فضلاً
عن قولهم: عزير ابن الله، واعتقادهم بالتجسيم الإلهي، وقولهم:
﴿أَرِنَا
اللهَ جَهْرَةً﴾([1]).
وقولهم:
﴿اجْعَلْ
لَّنَا إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾([2])،
وقولهم:
﴿يَدُ
اللهِ مَغْلُولَةٌ
﴾([3])،
ونسبة العجز، والظلم إليه وغير ذلك..
وقد جعل «صلى الله عليه وآله» حفظ الأنفس والأموال
منوطاً بالشهادتين، لأن للكفر وللإيمان مراتب، فأشد وأقبح مراتب الكفر،
الإلحاد والشرك، فإن الشرك ظلم عظيم.
ثم يلي هذه المرتبة مرتبة
الذين يفرقون بين الله ورسله، ويقولون: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض
أولئك هم الكافرون حقاً.
وهناك أيضاً مرتبة
الإعتراف بوجود الله، وإنكار النبوة الخاتمة، وإن
اعترفوا أيضاً بأن له رسلاً وكتباً وشرائعَ، وثواباً، وعقاباً، كما هو
حال أهل الكتاب.
ولذلك كان لهؤلاء أحكام تختلف عن أحكام المشركين
والملحدين،
فيجوز التزويج متعة بالكتابية، ولا يجوز تزويجهم. ويصح اعتبارهم من أهل
الذمة وعقد العهد معهم، ويمنع التعرض لهم في ممارساتهم الدينية، وفق
حدود وقيود..
فإذا ارتقوا في إيمانهم، وشهدوا الشهادتين، وقبلوا
الإسلام ديناً، حقنت دماؤهم وأموالهم، وجاز التزوج منهم والتزويج لهم،
وتحل ذبائحهم، ويحكم بطهارتهم، ويرثون، ويورثون.
فإن قبلوا الإمامة زادت امتيازاتهم على ذلك أيضاً،
فحرمت غيبتهم، ووجبت لهم حقوق الأخوة الإيمانية، وإن طلق أحدهم وفق
المذاهب الأخرى لم يقبل منه، فلا يمضى الطلاق بالثلاث، ويحكم بفساد
طلاقه إن كان بلا شهود.
فإذا صار من أهل العدالة صحت
الصلاة خلفه، وجاز إشهاده على الطلاق، وغيره.
ثم إن الواحد منهم يتدرج في مراتب الفضل والكمال،
فللعالم فضله، وللتقي مقامه، وقد يصير التقي
العالم ولياً من الأولياء.. وقد اصطفى الله تعالى الأنبياء
من
هؤلاء.. ثم تدرج الأنبياء في مراتب الفضل، فالرسول أفضل من النبي بلا
رسالة، وأولو العزم من الرسل أفضل من غيرهم، وأصحاب الشرائع افضل من
سائر أولي العزم
،
والنبي الخاتم، وهو نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله» أفضل من جميع
الخلق..
وللأئمة أيضاً درجاتهم في
الفضل، وافضلهم الأئمة الإثنا عشر، وأفضلهم علي «عليهم السلام».. بل هو
أفضل الخلق على الإطلاق بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وعلى كل
حال،
فإن للإمامة مراتبها، وأعظمها مرتبة الإمامة للنبوة
الخاتمة أيضاً.. ولكل خصوصية مقامها وأحكامها التي تناسبها..
([1])
الآية 153 من سورة النساء.
([2])
الآية 138 من سورة الأعراف.
([3])
الآية 64 من سورة المائدة.
|