متى رمدت عينا علي عليه السلام؟!

   

صفحة : 324-327   

متى رمدت عينا علي عليه السلام؟!:

أما حديث: أن علياً «عليه السلام » تخلف عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وبقي في المدينة ، فلما سار «صلى الله عليه وآله» إلى خيبر ، قال «عليه السلام»: لا، أنا أتخلف؟!

فلحق برسول الله «صلى الله عليه وآله».. فلا يصح؛ وذلك لما يلي:

أولاً: إذا كان علي «عليه السلام» يعاني من رمد في عينيه، حتى إنه لم يكن يبصر، وكان غير قادر على السير إلا بقائد يقوده، ومدبر يدبره، فإلى من أوكلت قيادة الجيش يا ترى في كل هذه المدة الطويلة؟! فإن كان قائده هو سلمة بن الأكوع ، فإن الرواية قد صرحت: بأنه جاء به يقوده إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، في قضية قتل مرحب فقط..

فكيف جاء «عليه السلام» من المدينة ؟! وكيف كان ينتقل من حصن إلى حصن، ومن مكان إلى مكان لقضاء حوائجه؟!

وبعد.. فإن تخلف علي «عليه السلام» في المدينة لا بد أن يكون بإذن وبمعرفة من رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

كما أن مسيره لا بد أن يكون بإذن منه، فهل استأذن «عليه السلام» في الخروج من المدينة ؟! أم أنه فعل ذلك من عند نفسه؟!

وإذا كان قد خرج بإذنه «صلى الله عليه وآله» وبعلمه، فلماذا لم يخرجه معه، فإن حاله لم يختلف عما كان عليه؟!

وإن كان قد أذن له بالخروج، فكيف أذن له وهو بهذه الحالة؟! وكيف؟! وكيف؟!

ثانياً: إنهم يقولون: إن سبب رمد عيني علي «عليه السلام» هو دخان الحصن الخيبري نفسه، وليس شيئاً آخر عرض له في المدينة، فراجع([1]). فإذا صح هذا، فلا يكون ثمة مبرر لبقائه في المدينة، كما زعموا.

ثالثاً: صرحت الروايات المتقدمة: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» أعطى اللواء في غزوة خيبر إلى علي بن أبي طالب «عليه السلام»([2]).

وقد أعطاه إياها في أول حصن ورد عليه، وباشر معه القتال فيه، وهو حصن ناعم ، وقد هاجم هو نفسه ذلك الحصن بالذات، فقتل معه «عليه السلام»([3]) عبد يهودي اسمه ياسر ، وكان قد أسلم آنئذٍ.

فكيف يعطيه اللواء، وهو لا يبصر طريقه؟!

رابعاً: قال المفيد : «كانت الراية يومئذٍ لأمير المؤمنين «عليه السلام»، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب»([4]).

أي أن هذا الرمد قد عرض له بعد أن تسلم الراية..

خامساً: إن الرواية نفسها تدل على أن رمد عيني علي «عليه السلام» قد عرض له في تلك الفترة، وأنه لم يدم برهة طويلة، بحيث يصل خبر ذلك إلى النبي «صلى الله عليه وآله».

ففي الرواية: أنه في يوم قتل مرحب : أصبح رسول الله «صلى الله عليه وآله» فصلى الغداة، ثم دعا باللواء، ووعظ الناس، فقال: أين علي؟!

قالوا: يشتكي عينيه.

قال: فأرسلوا إليه..

فلما جيء به قال له النبي «صلى الله عليه وآله»: ما لك؟!

قال: رمدت، حتى لا أبصر ما قدامي.

فظاهر السياق يعطي: أن الناس كانوا يرون: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يكن على علم بأمر الرمد، فأخبروه به.. مع أن علياً «عليه السلام» كان مهتماً بالحضور المتواصل في مجلس رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

وسؤال النبي «صلى الله عليه وآله» لعلي «عليه السلام»: ما لك؟ وجواب علي «عليه السلام» له يقطع كل عذر، ويزيل كل شبهة في ذلك.

ولو كان علي «عليه السلام» غائباً عن ساحة القتال كل هذه الأيام، لعلم بذلك رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لا سيما وأنه هو الذي يعتمد عليه في حروبه، وهو القريب منه، والذي يواصل الاتصال به، والتفقد له، والحاضر عنده.. وهو حامل لوائه، وقائد جيوشه..


 

([1]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص123 والمسترشد للطبري ص299 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص92 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص406.

([2]) راجع: دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص48 والمطالب العالية ح4202 والمغازي للواقدي ج1 ص407 وج2 ص649 والسيرة الحلبية ج3 ص35.

([3]) راجع على سبيل المثال: المغازي للواقدي ج2 ص649.

([4]) راجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص126.

 
   
 
 

موقع الميزان