صفحة : 322-323   

رمد عينيه عليه السلام أسعد مناوئيه:

لقد أظهرت النصوص: أن رمد عيني علي «عليه السلام» في ذلك اليوم أسعد قريشاً ، والتابعين لها، والمتأثرين بسياساتها، لأن ذلك أبعد علياً عن الساحة..

ولعلهم ظنوا: أن كل الدور سيكون لهم، وإن كل الإنتصارات والإنجازات ستحقق على أيديهم، وسيحصلون على الأوسمة، وينالون المقامات والمناصب، فإنهم وبعد أن قال النبي «صلى الله عليه وآله»: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله إلخ..

غدت قريش يقول بعضهم لبعض: أما علي فقد كفيتموه، فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه([1]).

ولكنه «عليه السلام» لما سمع مقالة رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «اللهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت».

فهل تراهم يظنون أن النبي «صلى الله عليه وآله» يعطي الأوسمة جزافاً، وكيفما اتفق، ومن منطلق الهوى والعصبية؟!.

ويرون: أن وجود علي بينهم كان هو العائق لهم عن نيلها؟!

أو ظنوا: أن هذا النصر الذي وعدهم الله به سيكون سهلاً، ووجود علي «عليه السلام» هو المانع من تحقيقه.

أو ظنوا: أن الله سوف يصنع المعجزة لهم، من دون جهد أو جهاد منهم، وبلا تعب ولا نصب.. وسوف يعوضهم عن هذه النكسة التي حاقت بهم بانهزام إخوانهم في اليومين السابقين أكثر من مرة.

أو لعلهم اعتقدوا أن هذا الوعد النبوي سوف يشد من عزائم المقاتلين، ويجعلهم أكثر اندفاعاً في مهاجمة الحصن، الأمر الذي سوف ينتهي بفوز حاملي الراية بالنصر، ليكون بمثابة الغنيمة الباردة التي يحلم بها الضعفاء، والفرارون في مواقع القتال..

أو أرادوا أن يكون مجرد التصدي لأخذ الراية، مع علمهم بعدم حصولهم عليها، كافياً لتبرئة ساحتهم، ويعوضهم عن هزيمتهم، ويحفظ بعضاً من ماء وجههم، حيث سيظن كثيرون أن الهزيمة لم تكن بسبب تقصير القادة، بل كانت بسبب المقاتلين أنفسهم..

لعل كل ذلك قد دخل في حساباتهم.. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.


 

([1]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص319 وإعلام الورى ج1 ص207 والدر النظيم = = ص255 وبحار الأنوار ج21 ص21 وج41 ص85 عن ابن جرير، وابن إسحاق.

 
   
 
 

موقع الميزان