قالوا:
ثم خرج أهل
الحصن إلى ساحة القتال..
أما رسول الله
«صلى
الله عليه وآله»،
فإنه لما أصبح أرسل إلى علي
«عليه
السلام»
وهو أرمد، فتفل في عينيه.
قال علي «عليه السلام»:
فما رمدت حتى الساعة. ودعا له، ومن معه من أصحابه بالنصر.
فكان أول من
خرج
إليهم الحارث أبو زينب، أخو مرحب في عادية (أي ممن يعدون للقتال على
أرجلهم) ـ قال الحلبي: وكان معروفاً بالشجاعة ـ فانكشف المسلمون، وثبت
علي «عليه
السلام»،
فاضطربا ضربات، فقتله علي
«عليه
السلام».
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وأغلقوا عليهم، ورجع المسلمون إلى
موضعهم..
وخرج مرحب وهو
يقول:
قـد عـلـمـت
خـيـبر أني مـرحـب الـخ..
فحمل عليه علي
«عليه
السلام»
فقطَّره (أي ألقاه على أحد قطريه، أي جانبيه) على الباب، وفتح الباب،
وكان للحصن بابان([1]).
ورجع أصحاب
الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلاً جسيماً طويلاً، فقال رسول
الله
«صلى الله عليه وآله»
حين برز وطلع عامر:
«أترونه
خمسة أذرع»؟
وهو يدعو إلى البراز.
فخرج إليه علي بن أبي طالب «عليه السلام»، فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع
شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفَّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق:
ثم برز ياسر وهو يقول:
قـد
عـلـمـت
خـيـبر
أني يـاســرَ
شـاكـي
الســـلاح
بـطــل
مغاور
إذا الـلـيـوث
أقـبـلـت
تبــــادرَ
وأحجمـت
عن صـولـة
تســـاور
إن حسـامي فـيـه مـوت حـاضـرَ
قال محمد بن عمر:
وكان من
أشدائهم، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوساً.
فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن
العوام:
أقسمت إلا خليت بيني وبينه، ففعل.
فقالت صفية لما خرج إليه الزبير:
يا رسول الله، يقتل ابني؟
فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله»:
«بل
ابنك يقتله، إن شاء الله»،
فخرج إليه الزبير وهو يقول:
قـد
عـلـمـت
خـيـبر
أني زبــــار
قــرم
لـقـرم
غـير
نـكـس
فـــرار
ابـن
حمـاة
المـجــد،
ابن الأخيـار
يـاســر
لا يـغـررك
جمـع
الـكفـار
فجمعهم مثـل
السـراب الخـتـار
ثم التقيا
فقتله الزبير.
قال ابن إسحاق:
وذكر أن علياً
هو الذي قتل ياسراً.
قال محمد بن عمر:
وقال رسول الله
«صلى الله
عليه وآله»
للزبير لما قتل ياسراً: فداك عم وخال.
ثم قال:
«لكل
نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي»([2]).
وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقي:
أن
مرحباً خرج وهو يخطر بسيفه.
وفي حديث ابن بريدة، عن أبيه:
خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه،
وهو يرتجز ويقول:
قـد
عـلـمـت
خـيـبر
أني مـرحـب
شـاكــي
الســلاح
بـطــل
مجرب
إذا
الـلـيــوث أقـبـلـت تـلـهـب
قال سلمة:
فبرز له عامر
(أي عامر بن الأكوع) وهو يقول:
قـد
عـلـمـت
خـيـبر
أني
عــامـر
شـاكــي
الســلاح
بـطــل
مغامر
قال:
فاختلفا
ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه
قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله.
وفي رواية:
أصاب عين ركبته، وكانت فيها نفسه.
قال بريدة:
فبرز مرحب وهو
يقول:
قـد
علـمـت
خـيـبر
أني مـرحـب
شـاكــي
الســلاح
بـطــل
مجرب
إذا الـلـيـوث
أقـبـلـت
تـلـهــب
وأحـجـمـت
عـن
صـولة
المغلب
فبرز له علي
بن أبي طالب
«عليه
السلام»،
وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:
أنـا
الـذي
سمتني أمـي
حـيــدَرَة
كـلـيـث
غـابـاتٍ
كريـه
المنَــظَرة
أوفـيـهم
بالصـاع كيـلَ السنـدَرَة
فضرب مرحباً ففلق رأسه، وكان الفتح([3]).
وفي نص آخر:
أن علياً
«عليه
السلام»
أجاب مرحباً بقوله:
أنـا
الـذي
سمتني أمـي
حَـيْــدَرَة
كـلـيـث
غـابـات
كريـه
المَنْــظَرَة
عـبـل
الـذراعين
شديد القسـورة
أضـرب
بالسـيـف
وجـوه
الكَفَرَة
ضـرب
غـلام
مـاجــد
حـــزوَّرَة
أكيلكم بالسيف كيـلَ
السندَرَة([4])
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي «عليه السلام» بضربة (بذي
الفقار) فقدَّ الحجر، والمغفر، ورأسه، ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة.
وفي نص آخر:
سمع أهل العسكر صوت ضربته. وقام الناس مع علي حتى أخذ
المدينة([5]).
وفي نص آخر:
ضربه على
هامته حتى عض السيف منها بأضراسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.
قال:
وما تَتَامَّ
آخر الناس مع علي
«عليه
السلام»
حتى فتح لأولهم([6]).
وفي نص آخر:
«فخرج
يهرول هرولة، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر:
فأعجلنا أن
نلبس أسلحتنا.
وصاح سعد:
اربع، يلحق بك
الناس.
فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن الخ..»([7]).
وفي بعض
النصوص:
«أن
مرحباً لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعاً من الحصن في سلاحه، أي وقد
كان لبس درعين، وتقلد بسيفين، واعتم بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً،
وحجراً قد ثقبه قدر البيضة، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان، وذكر أن
ياسراً خرج بعد مرحب»([8]).
ولم يكن بخيبر أشجع من مرحب ولم يقدر أحد من أهل
الإسلام أن يقاومه في الحرب([9]).
وزعموا:
أن محمد بن مسلمة قتل أسيراً أيضاً([10]).
وعن علي
«عليه السلام» قال:
لما قتلت مرحباً، جئت برأسه إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([11]).
قال الدياربكري:
قيل هذا ـ أي قتل علي مرحباً ـ هو الصحيح، وما نظمه بعض الشعراء يؤيده،
وهو:
عـلي حمى
الإسلام من قتل مرحب غـداة اعـتـلاه بـالحســام المضخم
وفي رواية:
قتله محمد بن مسلمة([12]).
وسيأتي الكلام
حول ذلك، وأنه مكذوب ومختلق.
ولنا مع هذه
النصوص وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:
([1])
المغازي للواقدي ج2 ص653 و 654 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص34.
([2])
راجع: المغازي للواقدي ج2 ص657 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 و
126 وتاريخ الخميس ج2 ص51.
([3])
صحيح مسلم ج5 ص195 ومسند أحمد ج5 ص333 و 351 والمستدرك للحاكم
ج3 ص38 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 ومناقب الإمام علي لابن
المغازلي (ط المكتبة الإسلامية بطهران) ص176 ولباب التأويل ج4
ص182 = = و183 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 و
187 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها ومعالم التنزيل (ط
مصر) ج4 ص156 وحياة الحيوان ج1 ص237 وطبقات ابن سعد (مطبعة
الثقافة الإسلامية) ج3 ص157 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41
والمغازي للواقدي ج2 ص657.
([5])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص126 و 125 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص32
و 37 و 38 ومسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30
والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ولباب التأويل ج4 ص182 و
183 ومعارج النبوة ص219 والإصابة ج2 ص502 والكامل في التاريخ
ج2 ص220 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 ومعالم التنزيل ج4 ص156
وتاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع بعض ما تقدم في: إمتاع الأسماع
ص315 و 316.
([6])
مسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص300 والمستدرك
للحاكم ج3 ص437 وراجع: العمدة لابن البطريق ص141 ومجمع الزوائد
ج6 ص150 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص110 و 178 وخصائص أمير
المؤمنين للنسائي ص55 وكنز العمال ج10 ص464 وتاريخ مدينة دمشق
ج42 ص95 وعن الإصابة ج4 ص466 وفضائل الصحابة لابن حنبل ج2 ص604
وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص509 والمصنف
لابن أبي شيبة ج8 ص522 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص594 وتاريخ
الإسلام للذهبي ج2 ص411 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص422
وج22 ص650 وج23 ص116 و 119 و 131 وج30 ص186 وج32 ص374.
([7])
بحار الأنوار ج21 ص22 عن إعلام الورى ج1 ص208 وفي هامشه قال:
انظر الإرشاد للمفيد ج1 ص125 والخرائج والجرائح ج1 ص159 و 249.
([8])
السيرة الحلبية ج3 ص37 و 38 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص50.
([9])
تاريخ الخميس ج2 ص50.
([10])
إمتاع الأسماع ص315.
([11])
سبل الهدى والرشاد ج5 ص127 ومسند أحمد ج1 ص111 وتذكرة الخواص
ص26 وعن البداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ومجمع الزوائد
للهيثمي ج6 ص152 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص357.
([12])
تاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص5 عن جماعة
من السفساف والمعاندين ادَّعوا: أن مرحباً قتله محمد بن مسلمة،
وادّعوا، وادَّعوا.
|