ذكرت بعض الروايات المتقدمة:
أن علياً «عليه السلام» كان قد قطع رأس عمرو بن عبد ود في حرب الخندق،
وجاء به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».. ولم يقل له النبي «صلى
الله عليه وآله» شيئاً..
وذكرت الروايات المتقدمة عن قريب:
أنه «عليه السلام» قطع رأس مرحب، وجاء به إلى رسول الله «صلى الله عليه
وآله» أيضاً، ولم يعترض عليه رسول الله «صلى الله عليه وآله» في فعله
هذا..
ونحن لا نرى
أن لهذين الخبرين أساساً من الصحة.
أولاً:
إنه «عليه السلام» لم يقطع رأس الوليد في بدر، ولا رأس غيره ممن قتلهم
في تلك الحرب، كما أنه لم يقطع رأس كبش الكتيبة ولا غيره من بني عبد
الدار حملة اللواء في أحد، ولم يقطع أيضاً رؤوس العشرة الذين قتلهم في
بني النضير، ولا رأس أي ممن قتلهم في الخندق غير ما زعموه عن
عمرو بن عبد
ود، ولا رأس أحدٍ من بني قريظة..
وأما قطعه
لرأس الأسيرين في بدر، فلأن قتلهما قد تم بهذه الصورة. ولعل ذلك كان
أهون أنواع القتل.. لأن غير هذه الطريقة يطيل أمد موت القتيل، ويعرِّضه
معها لآلام هائلة..
ثانياً:
لم نجد مبرراً لقطع الرؤوس، والإتيان بها من ساحة المعركة إلى محضر
رسول الله «صلى الله عليه وآله» للتشفي، ولا لغيره.. وذلك بعيد عن منطق
الرسول، وعن منهجه..
وقد كان هدف
خوض هذه الحرب، هو دفع شر هؤلاء الطغاة عن أهل الإسلام، ولم يكن يراد
التشفي بهم، بقطع رؤوسهم بعد موتهم، ولا بتعذيبهم في حياتهم..
وقد علمنا:
أن علياً «عليه السلام» لم يجهز على عمرو بن عبد ود حين أساء إليه وشتم
أمه، إلا بعد أن زال غضبه، لأنه أراد أن يكون قتله خالصاً لله تعالى..
كما تقدم.
ولما ضربه
ابن ملجم «لعنه الله»، قال:
«ما فعل ضاربي؟! أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولى
بحقي، وإن مت، فاضربوه ولا تزيدوه»([1]).
وفي نص آخر:
«احبسوه، وأطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو، أو قصاص»([2]).
ثالثاً:
إذا كانت ضربته «عليه السلام» قد شقت رأس مرحب وجسده نصفين، حتى بلغ
السرج كما في بعض النصوص([3])،
فإن قطع رأسه وحمله في هذه الحالة يصبح بمثابة جمع أشلاء، ولملمة قطع
من جسد بشري، بصورة غير مستساغة، ولا يرضى الإنسان العادي بالإقدام
عليها، فكيف بأنبل الناس، وأكرمهم وأشرفهم؟!
ولو أنه «عليه
السلام» قطع رأس عمرو بن عبد ود أو غيره لرأيت قريشاً، وسائر من حاربهم
من اليهود والمشركين يقطعون رؤوس قتلى المسلمين طيلة كل تلك الحروب
التي دارت فيما بينهم.
([1])
المناقب للخوارزمي ص280 و281 وكشف الغمة ج2 ص111 والفصول
المهمة لابن الصباغ ج1 ص623 وأشار في الهامش إلى العديد من
المصادر.
([2])
الثقات ج2 ص303 والأخبار الطوال ص215 والطبقات الكبرى لابن سعد
= =
ج3 ق1
ص25 و26 وراجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص459 و502
و504.
([3])
معارج النبوة ص323 و219.
|